أفغانستان والديموقراطية المستحيلة!!
4 رمضان 1430
ليس ها هنا موضع بيان عورات الدعوة الغربية إلى الديموقراطية، ومدى تعارضها مع الإسلام، وحجم الزيف بين الشعر والواقع. فذلك كله يحتاج إلى مساحات كبيرة ومجلدات ضخمة.
لذلك سوف نغض النظر عن تلك النقاط الجوهرية، وسوف نسلّم جدلاً بسلامة الديموقراطية وبصدق الغرب في حرصه المزعوم على نشرها. . . ولنأخذ المثال الأفغاني-على غرار المثال العراقي باعتبارهما أحدث النماذج في هذا المجال-.
ولتكن البداية من انتخابات الرئاسة التي شهدتها بلاد الأفغان قبل أيام، حيث تركزت المنافسة بين "الرئيس"الحالي حامد كرزاي ومنافسه عبد الله عبدالله-مع أن عدد المرشحين يتجاوزال40!!-.
ولعل أول ما يثير الانتباه فيها، مسارعة كل منهما إلى ادعاء الفوز، بالرغم من أن إعلان النتائج الرسمية يتطلب أياماً وربما أسابيع!!فضلاً عما سبقها من تراشق الاتهامات بين رجلين كانا حليفين إلى يوم قريب، وكلاهما جاء في ركاب دبابات الغزاة. وتتراوح الاتهامات بين التحالف مع أمراء الحرب السابقين وتجار المخدرات، ناهيكم عن الفساد والتزوير وشراء الأصوات.... أما رصيد كل منهما كما يعرضانه فليس سوى الولاء للغرب الصليبي المحتل، فكرزاي يريد تقديم البشتون –أغلبية السكان-كحلفاء لسادته الأمريكيين، مع علمه بأن أكثرية عرقيته هذه يؤيدون حركة طالبان المعادية للعم سام عداء جذرياً لا مساومة فيه.
أما غريمه عبد الله فيستند إلى تحالف قائده السابق أحمد شاه مسعود مع روسيا وأمريكا والهند ضد أبناء شعبه!!
المنافسة الفعلية-إذاً-محصورة بين أكثر المرشحين ولاء للغزاة. وهذا هو مقتل أي إعادة إنتاج للسلطة في أي بلد تحت الاحتلال الأجنبي. فما من عاقل يتوقع مشاركة حقيقية من خصوم الاحتلال، فما بالك باحتمال فوز أحدهم في انتخابات تحت السيطرة الخارجية الجاثمة بجنودها فوق صدر الشعب، الذي يُفْترض أنه سوف يقترع بحرية ليختار حكامه؟!
وإذا تجاوزنا فساد العملية الانتخابية في أسسها، فإن النزاهة التي تعد ركناً رئيسياً من أركان أي انتخابات سليمة، فإن القوم أعفونا في الحالة الأفغانية الراهنة من انتظار ما يقع خلال الانتخابات لتقويمها، فقد أقروا مسبقاً بغياب النزاهة في أثناء الحملة التي سبقت الانتخابات.
ومن يطالع تقارير بعثات الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والجمعيات –الغربية-غير الحكومية، يذهله تسليم الجميع بفساد العملية الانتخابية، لدى تلك الجهات التي لا تعترض على الغزو أصلاً، لأنه يمثل قناعاتها المنحرفة ومعاييرها الانتقائية المزدوجة.
نقول ذلك، مع التذكير بيقيننا أن النزاهة المستحيلة هنا لو توافرت جدلاً، فإنها غير كافية حتى لدى الجهات الصليبية والصهيونية ذاتها. ولعلنا نذكّر ذوي الذاكرة القصيرة بما انتهت إليه الانتخابات الفلسطينية في عام2006م، والتي شهد بنزاهتها هؤلاء جميعاً. فالغرب المنافق لم يقف عند حد رفضه الجائر لفوز حركة حماس بأكثرية المجلس التشريعي الفلسطيني، بل إنه مضى في غيّه فقرر معاقبة الشعب الفلسطيني بأجمعه لأنه لم يختر عصابة أوسلو الاستسلامية!!وما زال التعنت الغربي على حاله، بل إنه لم يعد يخفي رفضه المسبق لأي نتيجة مماثلة، في أي انتخابات يمكن إجراؤها في الضفة المحتلة وقطاع غزة المحاصر.
إن التاريخ الإنساني كله يؤكد أن أي سلطة يتم إنتاجها تحت بصر الغازي الغريب وسمعه، لا يمكن إلا أن تأتي بحسب مصالحه ورؤاه المحددة مسبقاً. فالحرية لا تتجزأ، ويتعذر على من يفقد حرية قراره الوطني العام، أن يغدو حراً في خياراتها الجزئية كتحديد شكل الحكم وانتخاب القائمين عليه... والمثالان اليتيمان اللذان يتشبث بهما أشياع الاحتلال-ألمانيا واليابان-شاهدان عليهم وليس معهم. فهل تستطيع أي منهما حتى اليوم أن تتخذ قراراً سيادياً يخالف الاستراتيجية الأمريكية؟ فكيف ببلد مسلم يغزوه حلف شمال الأطلسي مجتمعاً في أول سابقة من نوعها، بل تنضم روسيا إلى جهوده العدوانية فتسمح للعم سام باستخدام أراضيها وأجوائها في الحملة ضد أفغانستان، مع أن روسيا تجأر بالشكوى من تمدد الناتو إلى حدودها مع جيرانها في أوربا الوسطى والشرقية؟