أنت هنا

رمضان.. دعوة للتفكير
3 رمضان 1430

"شهر رمضان".. أي "إظهار وسيلة إحراق الذنوب"، كذا قال بعض المفسرين؛ فرمضان سمي كذلك من الرمض أي الإحراق بمعنى أنه يحرق الذنوب كما تفعل الشمس في الرمضاء..

أو لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة في الرمضاء من حر الشمس..

أو هو استبداد الحَر بجوف العطشان رغبة في الروية من الرمض..

إنها معانٍ كثيرة، لكنها متكاملة لهذا الشهر الكريم الذي حل ضيفاً على أمتنا الإسلامية، يحرق ذنوب أصحابها، ويدعو أولي النهى والأفهام فيها في تدبر آيات الله سبحانه وتعالى، ويجفف أجواف العطشانين فيشعرهم بأزمات المستضعفين والمساكين ممن لا يستطيعون حيلة..

هذا رمضان الذي كتبه الله على كل الأمم من قبلنا ـ كما قال مجاهد ـ، أو هو ذاك الذي بدأ صومه نبي الله نوح عليه السلام، الذي يحظى بهذه المكانة على مر التاريخ وتفتح فيه أبواب الرحمة كما في الحديث الذي رَوَاه مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا جَاءَ رَمَضَان فُتِحَتْ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَغُلِّقَتْ أَبْوَاب النَّار وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِين )، وهو بهذه المكانة وتلك المنزلة يمنح المسلمين فرصة لتمحيص القلوب ومحو الذنوب والقرب من رب العالمين، مع سلسلة من العبادات تتنوع ما بين صلاة وصيام وعمرة وتلاوة قرآن وجود وحفظ اللسان والاستزادة من فيض ذكر الله..

وهو أيضاً مجال واسع للعمل لهذه الأمة عبر جملة من الطاعات تبدأ من إماطة الأذى عن طرق المسلمين إلى ذروة سنام الإسلام..

وهو مع كل هذا ميدان للتفكير فيما يصلح هذه الأمة في أمورها العظيمة ومآسيها ومشاكلها المتفاقمة وفرصة لأصحاب العقول المبدعة أن تتأمل في أحوال هذه الأمة مستصحبة هذا الفيض الرباني سائلة من الله التوفيق مع توسيع رقعة التفكير كعبادة عظيمة في هذا الشهر الكريم..

لماذا نحن ندعو بالنصر هنا فيتأجل، ونعمل هنا فلا نوفق، ولماذا نتدفق بأعداد غفيرة إلى المساجد ثم لا تتبدل أحوالنا الحياتية؟! أين السر وما السبيل؟!

أهو نمطية ممارستنا للعبادة دون الغوص في معانيها؟ أم هو العناية بالكم دون الوعي والفهم؟

أهو قلة إخلاصنا في الإصلاح أم جهلنا بأسبابه الفاعلة؟ أهو الإصرار على فصل العبادة عن الحياة وتفريقنا اللاشعوري بين ما هو داخل المسجد وخارجه؟!

لماذا جراحنا في العالم أكثر من أن تعد أو تحصى مع أننا نعتبر أننا نختم القرآن في صلواتنا ومساجدنا وبيوتنا وحتى أماكن عملنا؟!

أين الخلل؟؟ إن القضية هذه كما هي تحتاج إلى تفكير جماعي تحتاج معه إلى تفكير كل امرئ فيما يضيفه لنفسه حقيقة في رمضان ليس في حافظة حسناته فحسب، بل في قلبه وعقله وطريقة تفكيره، لاسيما وقد منحه الله فرصة للتدبر في أعظم كنز عرفته البشرية.. كلامه جل وعلا..

إننا هنا ندعو إخواننا إلى التدبر في آيات الله والتعرض لنفحات الله لنمنح نقلة جديدة في طرق تفكيرنا وإصلاحنا لذواتنا ومجتمعاتنا حتى لا يمضي هذا الشهر كغيره من الرمضانات.. ونسأل الله عز وجل أن يمنحنا من فيض كرمه ما يبصرنا بعلامات الطريق..

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ورزقنا الله وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وتهانينا القلبية لقراء موقعنا الكرام..