كيف يمكن التوفيق بين مسارعة حكومة المنطقة الخضراء إلى إزالة جدران الفصل الطائفي من بغداد، واندلاع دورة مخيفة من العنف في مختلف مناطق العراق؟
المالكي أراد بالطبع تمثيل دور "رجل الدولة" وإثبات قدرة أجهزته الأمنية والعسكرية على فرض الأمن والقانون، بحسب برنامجه في الانتخابات المحلية التي جرت قبل شهور.فالأمريكيون غادروا الشوارع وتترسوا في مناطق حصينة، وتركوا لشرطة المالكي وجنوده مهمة تلقي ضربات المقاومة بالنيابة عن الغزاة.لكن السيناريو سار في مسلك مختلف، فالمقاومة العراقية الباسلة التي تمقت أدوات الاحتلال وواجهاته"العراقية"، لا تخفي قناعتها بأن الأولوية المطلقة في برامجها هي ضرب الغاصبين أنفسهم، فإذا حال بينهم وبين المجرمين بعض المخدوعين أو الشركاء الصغار في مشروع تفتيت العراق، فلا بد حينئذ من إزالتهم من الطريق.
أجل، لقد اتخذت الأحداث مساراً آخر، فعمليات القتل طائفية واضحة، وأكثرها يستهدف الشيعة وتجمعاتهم، الأمر الذي يتناقض جذرياً مع النمط السائد منذ الغزو الصليبي/الصفوي المشترك، بما يجعل من تشخيص الدوافع وتحديد الفاعلين عملية معقدة.
صحيح أن أبواق الحكومة /الأداة وشركائها الطائفيين عوّدت الجميع على اتهامها المكرور والفوري لتنظيم القاعدة بالمسؤولية عن كل ما يقع في العراق، حتى لو كان حادثاً مرورياً، أو تقلص ساعات الإمداد بالكهرباء من 20ساعة في عهد صدام البائد إلى 4ساعات في ظل "العراق الجديد"!!غير أن هذه المبالغة الممجوجة المكشوفة لم تعد مقبولة، وبخاصة أن تنظيم القاعدة لا يتنكر لما يفعله بالرغم بشاعته وفظاعته ورفضه من لدن علماء الشرع الأصلاء.
والجميع يذكرون أشرطة الفيديو السيئة التي كانت القاعدة تعدها للبث وتزود بها أجهزة الإعلام الفضائية أو تعممها على الإنترنت، وهي تتباهى بتلك الأعمال النكراء، فكيف يجوز تحميل التنظيم وزر أفعال لا يتبناها إذاً؟
من الناحية النظرية، ربما يكون المالكي أبعد الفاعلين المتوقعين عن دائرة الاشتباه، لأنه الأكثر تضرراً من عودة الاقتتال الطائفي، واضطراب الأمن المزعزع أصلاً، وواقعياً يستحيل اتهام الفئة المشاركة في مسرحية العملية السياسية من أهل السنة، لعدم امتلاكهم أي تكوينات عسكرية أو شبه عسكرية، فضلاً عن ضعفهم سياسياً وعزلتهم عن أكثرية أهليهم المقاومين، وحتى عن أقليتهم التي تم استدراجها إلى خرافة الصحوات البائسة الفاشلة.
بل إن المضحك المبكي أن ما يسمى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي لم يستطع توفير الحماية لأربعة من فريق حرسه الخاص، قتلهم أتباع قم من الشرطة العراقية في ديالى!!
وتأسيساً على القاعدة الجنائية الثابتة(إذا لم تجد أدلة في مسرح الجريمة فابحث عن المستفيد من وقوعها)، فقد يكون ما يسمى"المجلس الأعلى" وذراعه الدموي "فيلق بدر الذي يسميه كثير من العراقيين المستقلين:فيلق غدر"بقيادة عبد العزيز الحكيم وابنه عمار المرشح لخلافته، قد يكون هو المنتفع الأول من اهتزاز صورة المالكي، ولا سيما أن القوم يستعدون لمسرحية انتخابات نيابية جديدة في غضون أربعة أشهر!!فهؤلاء هم منافسوه الفعليون في الجنوب الشيعي، وليس هنالك من دعاية سلبية يشنونها ضد المالكي مثل إثبات عجزه عن حماية الشيعة كأفراد ومؤسسات ومبانٍ، ليغدو فشله في تحصين "مكتسبات"هذا التحالف الاقتصادية والسياسية والأمنية أكيداً من باب أَوْلَى!!
ونحن لا نبرئ المالكي نفسه من هذه الممارسات السادية الذميمة، حتى لو كانت ضده في النطاق النظري، فيداه ملوثتان بدماء العراقيين، بل إنه سدد ضربة عسكرية لبعض الشيعة من رهطه، عندما تصادمت المصالح وتضاربت الحسابات، وتعسر التوفيق بين المحتل الأكبر والمحتل الأصغر، لفترة قصيرة من الزمن.
وهو اليوم مُطارَدٌ من منظمات حقوقية دولية بتهمة اختطاف اللجنة الأولمبية العراقية رئيساً وأعضاء، بدوافع طائفية رخيصة، وتغييبهم وطمس أخبارهم منذ ثلاث سنوات حتى الآن.
وكذلك حرس ما يسمى نائب رئيس الجمهورية –الشيعي ضمن المحاصصة البغيضة-عادل عبد المهدي، فهم متورطون في عملية نهب مصرف عراقي في وضح النهار، حيث سرقوا نحو 7ملايين دولار وقتلوا عدة أشخاص في أثناء ارتكاب جريمتهم!!
فهل يبقى بعد ذلك كله أدنى شك في هوية لصوص العراق الجدد، الذين يستبيحون دماء العراقيين بأتفه الأسباب ولأدنى المصالح الشخصية والطائفية؟