باسم حركة فتح يتكلم المنظمون الحقيقيون لمؤتمرها السادس، ويتبدى الدور المحوري الذي تلعبه المجموعة المتنفذة المتسلطة عليها خلال العقدين الماضين والتي ازداد نفوذها خلال الأعوام التي تلت اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات للحد الذي همش أي صوت وطني مناضل فيها ونحى الجميع إلاها عن الحديث باسم تلك الحركة التي كانت يوماً مناضلة يخشاها أركان الحكم الصهيوني في تل أبيب.
انعقد مؤتمرها كاشفاً عن هشاشة وضعها البنيوي، وقدرة "الدايتونيين" على تعليق حلقة صغيرة في خطامها وقيادتها باتجاه محو كلمة المقاومة من قاموس الحركة برغم ترديدها على استحياء واستخذاء على لسان زعيم الحركة في كلمته للمؤتمر.
وبدلاً من إشعال انتفاضة جديدة في وجه الكيان الصهيوني بسبب العدوان الصارخ على المقدسات الإسلامية في القدس وفي مقدمها المسجد الأقصى المبارك، لاذ المؤتمرون بالحديث عن حماس وخطورتها على نفوذ الفاسدين من الحركة العتيدة التي ما فتئ متحدثوها الرسميون وغير الرسميين يمطرون الجميع هذه الأيام بالحديث عن الماضي العريق لها من دون أن يفلحوا في الوفاء لهذا التاريخ بما يحترمه من عمل مقاوم وحرص على وحدة الدم الفلسطيني.
أصاخ هؤلاء أسماع الجميع بالحديث عن الحركة صاحبة "أول رصاصة" لكنهم لم يعودوا يلوحوا ـ حتى التلويح ـ بإمكانية وجود "أحفاد" للرصاصة "الجدة" العريقة!! وناوشوا خصومهم بالكلام عن أصحاب أكبر فاتورة من الشهداء والأسرى يوم لم تكن حماس موجودة أصلاً، وهو أمر لا يشينها بل يدينهم لخيانتهم لدماء الشهداء وعذابات الأسرى، وأفاضوا في الحديث عن أخطاء جسيمة ـ على لسان رئيس الحركة نفسه ـ قللت من شعبية حركة فتح وأخرجتها سياسياً وعسكرياً من غزة وكادت أن تلقى المصير ذاته في الضفة (بحسب عباس) لكنهم أحجموا عن استعراض سر هزيمتهم الشعبية والعسكرية المهينة وعلاقتها بتنكر الحركة لآمال الشعب الفلسطيني وطموحاته المشروعة.
ثم جاؤوا بألفي رجل لتكرار نغمة نشاز عن النضال السلمي الذي سأمه كل من يرى بعينيه عمليات التهجير القسري في قدسنا الحبيب ونخر أسس المسجد الأقصى المبارك من دون أن يشهد أي فعالية للحركة التي تمارس التعذيب المجنون ضد مقاومي حركة حماس في الضفة الغربية وتحول بينهم وفعل ما من شأنه أن يحد من تهور زعماء تل أبيب حيال القدس الشريف.
إن المسؤولية واقعة الآن على كل هؤلاء المؤتمرين في بيت لحم على مقربة من الأقصى المبارك، الذي حال جلاوزتهم بين الفصائل الفلسطينية والرد على حماقات الصهاينة إزاء الأقصى وجيرانه المسلمين، بعد أن اقترفت أجهزة هؤلاء أكبر جريمة تقع في فلسطين في هذا العقد الأخير حين كبحت جماح الأجهزة العسكرية للفصائل الفلسطينية المقاومة، وتمكنت من لعب دور استباقي لـ"إسرائيل" يحول دون حدوث أي عملية مقاومة من داخل الضفة الغربية المصفدة بالحواجز والمستوطنات الصهيونية، والتي بات يمرح فيها الجنود الصهاينة دون حسيب أو رقيب كنتاج حتمي لجهود أزلام دايتون في رام الله.
إذا ما صفدت أيدي المقاومين وحملوا على القيود في الضفة فمن للأقصى؟ هل هم أولئك الذين أحضروا للمؤتمر بموافقة "إسرائيلية"، أم ذاك الذي عرض خطابه على الصهاينة قبل تلاوته في مؤتمرهم البائس؟! إن هؤلاء لا يصلحون إلا للجعجعة والهراء وتلقي بدلات الحضور، أما الحضور الحقيقي فشرف الأقصى لا يسمح بأن يكون لهؤلاء يداً عليه، وسيأتي الله له بقوم هم بحمايته جديرون.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".