التورط البريطاني والأمريكي في أفغانستان
12 شعبان 1430
د. أسامة عثمان

ستكون الخيبة الأمريكية والغربية كبيرة، عندما يتبين أن انسحاب أمريكا من المدن العراقية؛ للاستفراد بأفغانستان لم يسهم في تحقيق "النصر" فيها. ويفتح هذا التورطُ الأمريكي والبريطاني والأطلسي في بلاد الأفغان بابَ الجدل في بريطانيا وأمريكا حول البقاء, أو الانسحاب الخائب. ويستبطن هذا جدلية العلاقة بين شرعية الحروب, من جانب والمصالح السياسية والاقتصادية, من جانب آخر؛ فالأولى تراعيها الشعوب, والثانية تنصاع لها الحكومات.

وقد نحا هذا الجدل في بريطانيا منحى أكثر حدة؛ إذ عكست صحفها تساؤلات وانتقادات للحكومة بسبب الاستمرار في الحرب على أفغانستان, برغم افتقادها إلى الأسباب المقنعة؛ ما جعل، بحسب رأي بعض كتابهم، الشعبَ البريطاني لا يقوى على تحمل الخسائر البشرية المتواضعة بالقياس إلى عشرات الآلاف التي خسرتها بريطانيا في حروب سابقة, كالحرب العالمية الأولى, مثلا.
فقد نشرت الصحافة البريطانية غيرَ مقال صحفي لكتاب كبار ينتقدون فيها الأسباب التي تتذرع بها الحكومة, ولعل آخرهم, وليس أخيرهم, الكاتب الشهير روبرت فيسك الذي فنَّد دعاوى الحكومة البريطانية التي تصور إسهامها في الحرب على أفغانستان بأنها جزء من الحرب على الإرهاب, وأنها ضرورية لحماية شعبها وبلدها من هجمات "إرهابية" كما حصل في هجمات سابقة في لندن.
فقد قال فيسك في صحيفة ذي إندبندنت البريطانية : "إن عناصر حركة طالبان ليسوا موجودين على جبهات الدول الغربية، ولا هم يحلقون بطائراتهم فوق ليفربول البريطانية".
ودعا الكاتب إلى سحب القوات البريطانية وإعادتها إلى بلادها في ظل ارتفاع نسبة القتلى منهم أمام هجمات طالبان، متساءلا عن مدى صبر الأهالي والشعب البريطاني واستمرارهم في دعم المهمة هناك؟.
وكان الكاتب البريطاني ادريان هاميلتون قد نشرت له الصحيفة السابق ذكرُها مقالا بعنوان: "إذا كان الإرهاب هو المشكلة، فلن نحلها في أفغانستان" رأى فيه:"  أن بريطانيا تخوض حرباً لا يعتقد فيها نصف عدد السكان، مضيفا أن المملكة المتحدة ألزمت نفسها أكثر من أي وقت مضى بتنفيذ ما تقول به الولايات المتحدة.". ويرى الكاتب أنه بدلا من مناقشة الأهداف المرجوة من الحرب "كان لدينا تبادل لاذع ومتزايد للتهم بشأن توفر المروحيات وعدد القوات على الأرض".
ولا تخلو الصحافة البريطانية كذلك من انتقادات ساخرة من رئيس الوزراء جوردون براون الذي تصوره منقادا للرئيس الأمريكي المنحدر إلى الوحل الأفغاني؛ في تلميح إلى توقعات بخسارة الحرب, وبأن الحرب ليست حرب بريطانيا بقدر ما هي حرب الأمريكان.
والمسألة المهمة في هذا التصدع الكبير في الجبهة الداخلية البريطانية تكمن في الشكوك الكبيرة التي تعتري الجمهور, والنخبة, هناك في الجدوى من هذه الحرب, وهم لا يرون رابطا قطعيا بين القضاء على حكم طالبان وحماية بريطانيا من "الإرهاب" فقد ذكر فيسك في مقاله الآنف الذكر:"إلى أنه يمكن للشعب البريطاني تقبل الخسائر في الجنود، كما فعلوا في الحربين العالميتين "عندما أراد الألمان تدمير أوروبا" في القرن الماضي، ولكن كيف يمكن للشعب أن يتفهم مقتل أبنائه في أفغانستان في العام 2009؟. وأكد على أن البريطانيين قد يتقبلون التضحية بأبنائهم عندما يكون السبب وجيها وليس أن تزهق أرواحهم عبثا بكل معنى الكلمة، وعندما يتعلق الأمر بسياسة كل من رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون وسلفه توني بلير."
 ومن المفيد هنا أن تؤكد حركة طالبان برسائل إعلامية واضحة إلى الشعب البريطاني أنها المُعتدَى عليها في بلادها, وأنها تهتم برد العدوان, وليست معنية بالحرب على الشعب البريطاني والشعوب الغربية في بلادها.
ولا يخفى أن أمريكا تولي أهمية كبرى للمشاركة البريطانية في هذا العدوان على أفغانستان, وكذلك للدول الأخرى المشاركة في قوات الناتو, وهي تتخوف من أي تراجع, أو انسحاب يعتري بعض تلك الدول؛ لما له من انعكاسات معنوية, ومادية. وللأزمة المالية العالمية ظلالها القاتمة على خيارات تلك الدول, وقدرتها على التحمل, ولا سيما إذا استمر المقاتلون الأفغان في هذا الصيف الساخن على تكبيد تلك القوات الغازية الخسائر المؤلمة.
وليس أدل على سخونة المعارك من تصريحات رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مايكل مولن الذي حذر, الأسبوع الفائت, من أن ناشطيطالبان في أفغانستان أصبحوا أكثر عنفا وأفضل تنظيما في السنوات الماضية وأن القواتالدولية تواجه "معارك صعبة جدا". وقال مولن في مقابلة مع تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية في قسمه العربي أنالجيش الأميركي يواجه فترة صعبة من 18 شهرا للمساعدة على إرساء الاستقرار في البلادمن أجل الشعب الأفغاني ووقف التدهور الأمني الذي بدأ قبل ثلاث سنوات.
وقد رأت صحيفة صحيفة ذي إندبندنت أون صندايبتاريخ الأحد 12 يوليو الماضي أنه يجب أن يكون واضحا الآن أنه لا يمكن هزيمة طالبان عسكريا، وبالتأكيد ليس بقوات أجنبية فطالبان قد لا تحظى بالشعبية غير أنها تستمد بعض المشاعر الوطنية التي لا بد أن تشتد مع الوقت.
وقد كشفت الصحيفة أن مجلس الوزراء البريطاني يخطط سرًا لخفض عدد قواته في أفغانستان. ويرغب رئيس الوزراء البريطاني، غوردين بروان في إعادة 1500 جندي إلى بريطانيا ووقف مشاركته في المعارك الدائرة ضد طالبان. وبحسب الصحيفة فإن هذه الخطة ستنفذ بعد الانتخابات الأفغانية.
وتضيف الصحيفة أن قادة سابقين في الجيش نددوا بهذه الخطوة "الكارثية" التي أصابتهم بالدهشة الشديدة. تقول الصحيفة "ليس بدافع الهلع كرد فعل أن نقول إن مهمة الائتلاف في أفغانستان في أسوأ حال، فليس أمامها هدف محدد تعمل من أجله، بالتأكيد لا هدف يمكن تحقيقه على أرض الواقع، وقد سمح لها بأن تفقد البوصلة منذ أزاحت نظام طالبان قبل ثمانية أعوام".
وليس هذا التراجع مقتصرا على بريطانيا, بل تشاركه فيه أمريكا, برئيسها أوباما الذي جعل أفغانستان على رأس سلم أولويات إدارته.
فقد أقر وزير الدفاع روبرت غيتس في حديث إلى صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الأميركية أن الانتصار هو "احتمال بعيد المدى" في إطار أي سيناريو. وقال بوضوح أشد، "ليس منالمتوقع أن تنتصر الولايات المتحدة في الحرب في غضون سنة، لذلك دعا القواتالأميركية لكي تبدأ بتغيير الوضع في غضون السنة وإلاّ ستواجه خسارة تأييد الرأيالعام".
وأضاف غيتس "بعد تجربة العراق، لا أحد على استعداد لرحلة طويلة لا يبدو أننانتقدم فيها"، مضيفاً "القوات تعبت والشعب الاميركي متعب جداً".
 ومن جانب آخر أظهرت نتائج خمسة استطلاعات للرأي في الولايات المتحدة تراجع شعبية الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي أقل من‏60%‏ جراء زيادة البطالة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية‏.‏
ربما أشعر هذا التذمر والاحتجاج في الأوساط البريطانية والأمريكية بتغير في الرأي العام العالمي وفي المناخ العام؛ إذ لم يعد العالم يتقبل, في زمن الصورة والسموات المفتوحة, حروبا مفتقدة إلى الشرعية. ولذلك قد يكون من الأجدى للمسلمين اليوم استثمار هذا التغير على أكمل وجه، ومحاولة تثوير الرأي العام الغربي على حكوماته التي تزج به في أتون حروب ظالمة, ترهقه بالخسائر في أرواح أبنائه, وتستنزف طاقاته المادية، في وقت الأزمة الاقتصادية.