أنت هنا

"بوكو حرام".. تعبير عن أزمة
11 شعبان 1430

في أحداث كتلك التي وقعت في نيجيريا يصعب كثيراً إلقاء التبعة كاملة على أطراف محددة، كون ما يحدث ينم في غالبه عن أزمات عويصة ومشكلات متراكمة، ولا نملك على أي حال إلا أن نقول رحم الله أموات المسلمين في نيجيريا.

لا نشك بحال أن فاتورة القتلى من المسلمين عالية جداً، إذ قضى نحو 700 مسلم على الأقل نحبهم، وامتلأت طرقات دينا مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو بجثثهم في مشهد مروع يشي بقلة اكتراث السلطات النيجيرية بأرواح المسلمين، وفشلها في إيجاد مخرج سلمي للأزمة، ورغبتها الشرهة في تصفية حركة بوكو حرام، أو التعليم الغربي حرام التي لم تعرف كفصيل "متمرد" على نيجيريا إلا من خلال الأزمة الحالية وعلى لسان السلطات النيجيرية.

انتصار باهظ للسلطات على مجموعة من فقراء المسلمين في نيجيريا، أساؤوا أم أحسنوا كانوا بحاجة لقدر أكبر من التعقل والحكمة في التعاطي معهم دون إراقة هذا الكم الهائل من الدماء، لكن هذا لم يحدث ببساطة لأن دماء المسلمين ليست عزيزة في نيجيريا ولا في غيرها من دول العالم، وجرأة من الجيش النيجيري الذي يهيمن على أركانه "مسيحيو" نيجيريا لابد أنها تدرك في المجمل أن صيحات منظمة العفو الدولية وغيرها لن يكون لها أي صدى على النظام النيجيري الذي ارتكب المجزرة وهو يشعر بالارتياح والفخر.

لن نلوم الضحايا بطبيعة الحال، لكننا ما زلنا نشدد على أن قضايا المسلمين العظمى لابد وأن تعود لأولي العلم والنهى، وألا تترك مصائر المسلمين لمحدودي الثقافة الدينية، وأن يصدر الجميع في بلدان المسلمين عن رأي أهل الذكر، وإلا سنجد كثيراً من هذه المجازر التي تجد ذريعة من أفعال بعض البسطاء ممن لا يقرؤون اللحظة التي يحياها المسلمون الآن في العالم.

وقبل أن يسقط ضحايا آخرون لا مناص من فقه النوازل وإدراكها والعمل على توحيد الرؤى والأفهام وتسديد الآراء ومقارباتها وتوسيع نطاقات الشورى لدى جموع الجمعيات والقوى الإسلامية في كل بلد لكيلا نصطدم في كل لحظة بأزمة، ونصحو كل يوم على جرح إسلامي نازف بلا ثمن.

إن الوعي مطلوب، وعدم إتاحة الفرصة للآخرين لاستغلال ضعفنا أو أخطائنا، وعدم انجرارنا في مغامرات أمر شديد الأهمية، وإن فهم استراتيجيات الدول وهوامش حرياتها أمر جدير بالإتقان والمعرفة لئلا نداوم كل يوم على لعق جرح جديد ينسى جراحات الأمة، ويظل واجباً على أهل الذكر مسؤولية توسيع رقعة الوعي في الأمة وترشيد مسيرتها وكبح شبابها عن توريط المسلمين فيما لا طاقة لهم به.

إدانة الجريمة التي ارتكبها الجيش النيجيري مطلوبة، وتضميد جراح المسلمين واجب أكيد، وإحياء قضايا المسلمين في نيجيريا وغيرها ضرورة، لكن ذلك لا يمنع من مراجعة سلوك القوى الإسلامية في العالم، التي تتخذ وسائل للإصلاح قد تكون ناجعة وقد تعود بالقضايا القهقرى، ولتبقى مقاصد الشريعة منائر لكل موقف أو سبيل يتخذه قادة المسلمين وأولي الرأي فيها.