الانتخابات الكردية العراقية.. خرق في جدار الاستبداد
8 شعبان 1430
لم يكن هنالك عاقل يتوقع أن تنتهي الانتخابات التي شهدتها المنطقة الكردية بشمال العراق، بغير ما انتهت إليه من فوز الحزبين الكرديين المتنفذين: الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني.
فهما يمسكان مقاليد الأمور كلها ويقتسمان السيطرة على الموارد في الإقليم، منذ 18عاماً، الأمر الذي أتاح لهما تفصيل القوانين الناظمة للانتخابات على مقاساتهما، ومكّنتْ لهما تحديد مسار العملية الانتخابية وضبط الرقابة عليها لكي تبقى في نطاق الشكليات لا أكثر.
وبالرغم من كل ذلك الاحتكار الاستبدادي، لم يجد شريكا القمع والنهب مفراً من تزييف إرادة الشعب الكردي، من خلال عمليات تزوير واسعة النطاق، ومتعددة السبل والوسائل.فالمعركة بالنسبة إليهما معركة حياة أو موت.
وقد تركزتزوير الانتخابات بخاصة ضد الاتحاد الإسلامي وظهرت قوائم المنشقين عن إربيل وعن السليمانية حزبياً-مساعد الطالباني-أو عائلياً-مجموعة من أقارب البرزاني الذين اضطرهم ترهيبه إلى الفرار من معقلهم!!
ولجأ حزبا الهيمنة إلى ممارسة ضغوط مالية وأمنية/قمعية ودعائية بحكم عقود من الاحتكار الثنائي "البرزاني والطالباني بعد يأس كل منهما من فكرة تفرده بالسيطرة بالرغم من تنافسهما في العمالة لدول إقليمية وأجنبية وبتاثير نهبهما المنتظم لثروات شمال العراق كمكافأة من واشنطن منذ عام1991م.
كما لم تفلح مداعبة المخدوعين بتحدي بغداد وتصوير تحركات الحزبين السيئين على أنها بداية جادة لإقامة دويلة كردية،
فما الذي جعل الانتخابات الأخيرة مختلفة إلى حد بعيد-على الأقل بكونها تشهد ولادة أول تحدٍّ واقعي لاستبداد المتاجرين بآلام الكرد وآمالهم؟:
1- ركام الفساد الكبير التي باتت على كل لسان محلياً ودولياً.
2- إرث القمع ضد كل صوت مستقل لا يقل بشاعة عن ممارسات أعتى النظم الشمولية
3- تبخر أحلام الانفصال وعودة الناس إلى شيء من الواقعية
4- تنامي الصحوة الإسلامية في الوسط الكردي الشعبي مع أنها لقيت النصيب الأكبر من البطش والتنكيل والتضييق فضلاً عن عملية غسل مخ مستمرة منذ أكثر من نصف قرن للبسطاء والجهلة تنطوي على مزيج من القومية العنصرية البغيضة والعلمانية المتفسخة المناقضة لتاريخ الأكراد ودورهم المتميز في الحضارة الإسلامية.
5- انحسار الفكر القومي العربي الشوفيني وضعف المركز-أي بغداد-.
6- افتضاح الدعم اليهودي الصليبي لغلاة القوميين الأكراد في الحزبين الاحتكاريين
7- تآكل حليف مسعود وجلال في تمزيق وحدة العراق أي: الائتلاف الشيعي في الوسط والجنوب بعد أن بدد التناحر على"الغنائم"وحدته النفعية السابقة.
غير أن عناصر نجاح القائمة المشتركة بين حزبي البرزاني والطالباني "التزوير والهيمنة على المال والإعلام وأجهزة الأمن" لم تنجح هذه المرة في إبقاء سيطرتهما المطلقة على البرلمان إذ لم تتجاوز نسبة مقاعدهما الآن60% -للمعارضة بحسب النتائج الأولية45مقعداً من111-وهو ما يعني ولادة معارضة قوية سوف تنغص عليهما كثيراً وتمنعهما من تمرير مشاريعهما الهدامة بسهولة. ويتوقع بعض المطلعين على خفايا الأمور والعارفين بتأريخ صراعات الحزبين القديمة على السلطة والمال بأن تتزعزع وحدتهما المصطنعة والقائمة على تقاسم النهب للثروات العامة وللنفوذ في مناطق كل منهما.
لكن حرص الرجلين والمافيا المستفيدة من تسلطهما على عدم التفريط بمكاسبهما الهائلة على حساب الأكراد حاضراً ومستقبلاً، قد يدفعهما إلى الممارسة التقليدية من الحكام المستبدين أي تصدير الأزمة إلى الخارج!!ومحيط شمال العراق المتوجس أصلاً في أهداف القيادات الكردية المتفردة لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لكي يدرك أن خيار نحر الأكراد لحماية جلال ومسعود وحاشيتهما هو خيار ممكن بل إنه قد يكون مرجحاً.
ويظل تنامي الحس الإيماني بين الأكراد وانقشاع غيابة العلمنة القاتلة هو العنصر الحاسم الذي يجب ألا يغيب عن بال كل من يحاول قراءة مآلات العمل السياسي الكردي في العراق بخاصة وفي جواره الذي يضم ملايين من الأكراد بعامة.