إن من فضل الله على الناس كافة في وقتنا الحاضر، أن الوعي بأخطار العبث العدمي باسم العلم، أصبح هاجساً يشغل البشرية كلها.
وما سعي المنظمات الدولية إلى وضع ضوابط لمنع هذه الحماقات، سوى شاهد ناصع على مدى الرهبة الإنسانية، من إطلاق العنان للأهواء والانحرافات ذريعة أنه لا توجد قيود تحدد حركة البحث العلمي لتمييز النافع من الضار.
فقد اضطرت الأمم والشعوب إلى مراجعة حساباتها، بعد قرنين فظيعين من إضفاء قداسة زائفة على العلم، في تجاهل مؤلم لحقيقة أنه في البدء كما في الختام نشاط إنساني، ينطوي على ما في نفوس منتجيه من خير وشر.بل إن العلم البشري في شقه النافع يمكن أن يغدو سلاحاً فتاكاً، في مرحلة التطبيق العملي.
ولقد ذاق بنو آدم كثيراً من ويلات تقديسهم ما لا يجوز تقديسه، في صورة أسلحة تدمير رهيبة، ووسائل تعذيب وحشي، واستنفاد الموارد غير المتجددة، وتخريب التوازن البيئي الرباني الباهر، والنهش في جسد البيئة من ماء وهواء وغذاء....
قبل عقد من الزمان، ظهرت فتنة الاستنساخ في اسكتلندا، وأثارت لغطاً واسعاً، تداخلت فيه الآمال المشروعة بمعالجة علل شتى في ضوء التقدم المتحقق في مضمار علم الوراثة، مع شطحات بعض الملاحدة والمهووسين، الأمر الذي اضطر البلدان الصناعية التي لا ترجو لله وقاراً إلى تحديد ضوابط تمنع الحمقى من العبث القاتل.
وها هم أولاء يكررون مخرقاتهم من خلال الحديث عن"تخليق"حيوانات منوية صناعية في المختبرات!!ولذلك ينبغي لنا التوقف أمام هذه المحطة باعتبارها نموذجاً للعبث الهدام الذي يُسَوّق باسم العلم والتقدم العلمي زوراً وكذباً.
والملاحظة الجوهرية الأولى تتعلق باستخدام مشتقات كلمة"خَلْق"بصورة مضللة وغير علمية بل غير عقلية أصلاً.فالخلق-أي:الإيجاد من عدم-لا يقدر عليه سوى الله تبارك وتعالى، وهو مستحيل قطعاً على المخلوقين عقلاً وعرفاً وواقعاً معايناً باتفاق العقلاء من قبل ومن بعد.
وإذا كان من المقطوع به عجز الخلق جميعاً ولو تضافرت جهودهم كلها عن خلق خلية واحدة، فكيف بادعاء الكذابين خلق حيوان منوي شديد التعقيد كما يعرف طلبة التعليم ما قبل الجامعي، فضلاً عن الأطباء المتبحرين في دراسة الجسم الإنساني وما فيه من آلاف الأدلة على بديع صنع الله سبحانه الذي أحسن كل شيء خَلَقَه وبدأ خَلْق الإنسان من طين ثم جعل نسله من ماء مهين!!
وإذا كان الإعلام الغربي لا يقيم وزناً للدقة في استعمال المصطلحات الصحيحة عندما تتصل بالخالق العظيم، بحكم نصرانيته المحرفة ودهريته اللاحقة كرد فعل على جهالات الأحبار والرهبان من مزوري الدين والمفترين على الله الكذب وهم يعلمون، إذا كان ذلك الإعلام كما أسلفنا، عن حاله المعلومة للكافة، فإن الواجب على الإعلام العربي اليوم أن يتطهر من موروث حقبة الإلحاد الساقط المستورد، انطلاقاً من هوية الأمة التي عصمها رب العالمين بوحيه المحفوظ، واستفادة على الأقل من المعايير المهنية التي توجب التحري والدقة.
صحيح أن الإعلام في بلاد الإسلام لا يخلو من تأثير صبية التغريب الببغاويين، لكن الجهل لدى كثيرين وطول استخدام المفاهيم المنحرفة والمصطلحات العرجاء، هو المسؤول الأول عن بقاء هذه الرواسب في معظم وسائل الإعلام الناطقة لغة الضاد.
فيتعين على الحكماء والمخلصين تحرير إعلامنا من كلمات مثل"الطاقات الخلاّقة"و"غضب الطبيعة"وأشباههما من شقشقات الدهريين التي يأباها العلم الحق.
وأما العلاج الناجع لهذا الداء العضال، فليس سوى الإسلام.وكما أن سدنة الرأسمالية اضطروا راغمين مؤخراً إلى الإقرار بضرورة تخليص الاقتصاد والمال من أدران الربا، فإنهم لن يجدوا دواء ناجعاً لضبط حركة العلم وبحوثه في نطاق الحق والخير والنفع العميم سوى اقتباس قيم الإسلام السامية، التي تضع الأمور في نصابها، وتمنح كل ذي حق حقه، في توازن رائع لا يستطيع البشر مهما اجتهدوا، لأن الإنسان مخلوق قاصر وليس له من سبيل للصلاح والإصلاح إلا باتباع منهج الله الذي خلقه وسوّاه فعدله.