لا أحد سوى الله عز وجل يعلم لماذا اختار فاروق القدومي (أبو اللطف) تفجير قنبلته ذات العيار الثقيل جداً، في هذا الوقت بالضبط، وإن كان متوقعاً أنه يريد إحباط المؤتمر السادس لحركة فتح، الذي يسعى محمود عباس ورهطه من مدرسة أوسلو إلى عقده بعد ثلاثة أسابيع في مدينة بيت لحم المحتلة.
فالقدومي ذو الخيارات المختلفة كثيراً عن مشروع عصابة رام الله، تجاوز كل الاعتبارات وقَلَبَ الأوضاع رأساً على عقب، عندما أعلن في مؤتمر صحافي بالعاصمة الأردنية أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سَلَّمه نسخة عن محضر لقاء ضم محمود عباس ومحمد دحلان وإيرئيل شارون، ووزير دفاعه شاؤول موفاز بحضور وفد أميركي برئاسة وليم بيرنز مطلع آذار 2004، انتهى إلى اتفاقهم على اغتيال عرفات بوساطة السُّمّ، وتصفية عدد من رموز فصائل المقاومة الفلسطينية أبرزهم الراحل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي القيادي الكبير في حركة حماس، وذلك تمهيداً لتفرد عباس وأزلامه بالسيطرة المطلقة على السلطة الفلسطينية وعلى منظمة التحرير معاً.وأكد القدومي أن عرفات أرسل إليه صورة لمحضر الاجتماع التآمري"فنصحته بالخروج فوراً من الأراضي المحتلة، لأن شارون لا يمزح على الإطلاق بشأن التخطيط لقتله، ولكنه فضّل المواجهة وتحدي تهديداته".
وقال القدومي إن التجربة أثبتت صحة محتويات المحضر، بدءاً من رفض عباس تشريح جثمان عرفات بهدف إجراء تحاليل تحدد الوسيلة التي مات بها، ونوع السم الذي استخدم لقتله، كما منع إجراء تحقيق لكشف المتورطين المحتملين بتسميم الرئيس لمصلحة العدو الصهيوني، فضلاً عن أن محمد دحلان كان هدد في تصريحات علنية الرئيس عرفات بمواجهته إن لم يقدم التنازلات المطلوبة منه قبل العاشر من آب/اغسطس 2004 م..!
كما أن الضغوط الأميركية والإسرائيلية كانت نجحت في الفرض على عرفات تعيين عباس رئيسا للوزراء، غير أن عرفات مارس ضغوطاً معاكسة على عباس اضطرته للاستقالة من رئاسة الوزراء مطلع أيلول/سبتمبر 2003 م.. أي قبل وفاة عرفات مسموما بسنة وشهرين..!
ويستدل أبو اللطف بسلوك عباس على صحة المحضر المذكور، بتفرده بالقرار في حركة فتح، وتجاهل صلاحيات اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وكذلك استبداده بمقدرات وقرارات منظمة التحرير نفسها، وتهميش لجنتها التنفيذية، بينما كان محمد دحلان حليف عباس يهدد قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة بأن يعتقل كل أعضاء اللجنة المركزية.
ولعل أقوى الأدلة التي يتمسك القدومي بها للبرهنة على عمالة عصابة رام الله، عملها الدؤوب على تفكيك الأذرع الفلسطينية المقاومة، بما في ذلك الأذرع المقاومة لحركة "فتح"، ونزع أسلحتها واعتقال وتسليم مناضليها لقوات الاحتلال.
وكذلك إصرار عباس وحلفاؤه على عقد المؤتمر العام السادس لحركة فتح تحت حراب الاحتلال، بهدف فرض برنامج سياسي على الحركة يسقط حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ويحوّل حركة "فتح" إلى حزب السلطة، كما صرح مؤخرا عبر إحدى الفضائيات.
ومما يستحق التأمل، الرد السريع والانفعالي من أبواق سلطة عباس على تصريحات القدومي-أحد أبرز القادة التاريخيين الأحياء لحركة فتح يوم كانت حركة تحرر ومقاومة-، بلغة إنشائية تثبت أكثر مما تنفي-على غرار مقولة:يكاد المريب يقول:خذوني-، بينما خنست هذه الأبواق تماماً عن الاتهامات ذاتها عندما أوردتها عدة مواقع إلكترونية صهيونية قبل أكثر من سنة مضت؟!!
ونحن في هذا الموقع، سبق أن أكدنا مرات ومرات مجمل ما جاء في المحضر الذي كشفه القدومي، مستشهدين بالوقائع وحدها، من ممارسات سلطة رام الله ومواقفها تجاه الشعب الفلسطيني بعامة وفصائل المقاومة بخاصة، وخنوعها للمشروع اليهودي وتواطؤها معه، والسعي إلى تصفية القضية الفلسطينية واختزالها بقشور لا تعني سوى البطش بالفلسطينيين بالنيابة عن العدو الصهيوني، الذي قهره شعب فقير جائع محاصر!!
وقد تحدثنا منذ شهور عن خطة عباس وعصابته لتصفية ما تبقى من إرث فتح الأصيل، من خلال مؤتمر يجري تحت سلطة الاحتلال المباشرة، بعد أن أفرغ هؤلاء منظمة التحرير من محتواها-على ما طرأ عليه من انحراف وخلل-.
ويبدو أن سلاح القدومي "النووي"، يعني مبادرة المناضلين الشرفاء في فتح إلى طرد عصابة الاستسلام للعدو والاستئساد على الأهل، بدلاً من ترك زمام المبادرة في يد عصابة التصفية.