أنت هنا

أحفاد أتاتورك لا يتعلمون الدروس
12 رجب 1430







"الجيش التركي يعد مؤامرة انقلابية ضد الحكومة المدنية"!!

هذا ليس خبراً في ضوء النظام الأتاتوركي القمعي الممسك بخناق الشعب التركي منذ ثمانية عقود،فبالرغم من السيطرة المطلقة لحفنة اللا دينيين على كل مصادر السلطات ومنابع القوة،فقد قام عسكر تركيا بأربعة انقلابات فضلاً عن ضغوطاتهم الشرسة التي تشبه انقلابات مصغرة لفرض رؤاهم الخاصة على الساسة المنتَخَبين.

ولذلك فإن الخبر في أنقرا يستحق هذا الوصف عندما يقول:الجيش لا يهيئ مشروع انقلاب عسكري يطيح بالقيادات التي اختارها الشعب لزعامته في انتخابات حرة ونزيهة.

هذه التداعيات تحضر بقوة في أجواء الأتراك منذ ثلاثة أسابيع،عندما كشفت صحيفة(طرف) تفاصيل مؤامرة عسكرية ضد حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوجان،وهي تفاصيل اكتسبت قيمة وصدقية عاليتين لاحتوائها على صورة وثيقة رسمية بتوقيع جنرال كبير في رئاسة أركان الجيش،وهي بمثابة كلمة المرور للمؤامرة التي تختلف عن النمط الشائع للانقلابات العسكرية التقليدية بسبب الظروف المستجدة التي جعلت القيام بانقلاب عملاً شبه متعذر.ولعل هذه المعطيات نفسها أضافت عنصراً آخر لعوامل كراهية أحفاد أتاتورك في المؤسسة العسكرية ضد الحزب الحاكم.

فنجاحات أردوجان سياسياً واقتصادياً داخلياً وخارجياً،وتغلبه على مؤامرات التغريبيين في المجالين السياسي والقضائي،اضطرت غلاة العلمانيين في الجيش إلى الكف عن لعبة الانقلابات التي أتقنوها سابقاً،بل إن مهارة الحزب الحاكم التي فاقت مهارة أستاذهم نجم الدين أربكان،وقدرتهم على تحدي النفاق الغربي بلسانه ووفقاً لشعاراته،كل ذلك جعل الصقور من العسكر في موقع الدفاع لأول مرة على مدى ثمانين عاماً.

فها هي إيما سنكلير ويب الباحثة المتخصصة في شؤون تركيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش تعترف:"هذه القضية أحدثت تغييرا أساسيا في الافكار المتعلقة بمن يمكن تقديمه للمحاكمة في تركيا".ولم تجد أحزاب المعارضة-باستثناء المؤدلجين أتاتوركياً-لم تجد مفراً من الترحيب

بإجراء التحقيق في المؤامرة الحالية بوصفه فرصة لكسر المحظورات المتصلة بالجيش ولإزاحة العناصر المناهضة للديمقراطية في البيروقراطية الحكومية التي انخرطت طويلاً في أنشطة لزعزعة استقرار البلاد.

ومن مجمل ما تسرب عن تفاصيل المؤامرة،يمكن تحديد ابرز خطوطها العريضة والمخيفة بما يأتي:

ــ تحريك الجهاز الإعلامي الضخم والموالي للعسكر والأتاتوركية العنيفة للادعاء أن حكومة حزب العدالة والتنمية وبالتعاون مع جماعة فتح الله غولن -زعيم أكبر جماعة "إسلامية" شديدة القرب من العلمانية "ولكن ليس في طبعتها الكمالية" !!

ــ إدخال الأسلحة والذخائر من قبل المتآمرين إلى المباني والأندية والمدارس العائدة الى جماعة غولن ومن ثم مداهمتها والقبض على أعضائها ب"الجرم المشهود"، وتلبيسهم ثوب المؤامرة على "مبادئ أتاتورك".

 

ــ شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الضباط المتدينين مصحوبة بأكبر ضجيج إعلامي وربطهم بحزب الحكومة وجماعة غولن.

 

ــ إعادة تأجيج المشكلات مع اليونان ولاسيما حول جزر بحر إيجه لكي يلتف الشعب حول الجيش، وتضيع المؤامرة الداخلية في غبار أزمة مع عدو تاريخي!!

 

ــ اختلاق فتنة طائفية سنية ـ علوية وذلك بإقدام المتآمرين على اغتيال رجالات من الطائفتين وإلصاق التهمة بهم في نفس الوقت .

 

إنه تغيير في التكتيك أما استراتيجياً فليس هنالك جديد،لأن القوم تأكدوا من عجزهم عن الفوز سياسياً،بالرغم من هيمنتهم المطلقة على الجيش والأمن والقضاء والتعليم وفرض قيودهم الذاتية على الإعلام.فهم لا ينجحون بغير القوة والبطش،لكن مشكلتهم اليوم أنهم لا يودون الاعتراف بتبدل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية.إنهم يرفضون تعلم الدروس،ولذلك فما من بديل من إقصائهم عن دائرة الفرض القسري على الأمة بصورة حاسمة ونهائية،ويؤمل في حزب العدالة أن ينتهز هذه الفرصة التي ربما لاتتكرر.