ليس سراً أن مجرد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، كان أمراً مثيراً للاهتمام، في ضوء ما سبقها من توترات شديدة واحتقان قوي سياسياً وإعلامياً وأمنياً، فكيف وقد جرت العملية الانتخابية بسلاسة وأمان، ثم تلاها اختيار سريع لرئيس البرلمان الجديد-والواقع أنه قديم تم التجديد له فنبيه بري يرأس المجلس النيابي منذ 4دورات متتالية-وكذلك سُمّي النائب سعد الحريري رئيس تيار المستقبل رئيساً مكلفاً بتأليف الحكومة المقبلة.
إن مجمل هذه الوقائع غير المتوقعة تؤكد حصول تبدل جدي في المناخ الإقليمي وإلى حد ما حالة الطقس الدولية المتعلقة بالساحة اللبنانية، ولا سيما أنه تزامن مع انحسار التراشق الإعلامي بين الدول العربية المنقسمة إزاء لبنان ورؤيتها لحاضره الراهن ومستقبله في المدى المنظور، يضاف إلى ذلك تبادل زيارات رفيعة ومندوبين على مستويات عليا بين عواصم كانت تتبادل الاتهامات حول كثير من النقاط الساخنة-ومشكلات لبنان على رأسها-.
فما الذي تبدل في المحيط الإقليمي والأممي لكي تهب نسائم ربيعية تعد بالتوصل إلى حلول للأزمة اللبنانية، بعد سنوات من اتخاذ لبنان ميداناً للفصل بين القوى المتصارعة والمشاريع المتضاربة؟
بعض المحللين يعودون ببوادر الانفراج الأخيرة، إلى صعود باراك أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ جاء حاملاً معه أسلوباً مختلفاً عن سلفه بوش الابن، قوامه الانفتاح العلني على حلفاء السر، والسعي إلى تقديمها في صورة تخدمها محلياً من دون أدنى مساس بالمصالح الحيوية للعم سام وربيبته الصهيونية العالمية.
فقد رأى الرجل-بحسب هذا السيناريو-أن الوقت قد حان لمغازلة نظام آيات قم على المكشوف بعد عقود من التنسيق الخفي، بشرط استراتيجي واحد لا يتبدل ولا يتغير بتغير الزعماء في البيت الأبيض، وهو عدم السماح بتسلح أي بلد تسلحاً نووياً إذا كان أهله من المسلمين-بأي تصنيف فضفاض -، الأمر الذي يجعل أصحاب هذا التحليل يعيدون إلى الذاكرة تعنت واشنطن مع باكستان عندما قررت الأخيرة أن تصبح دولة نووياً ما دام الهندوس- أعداؤها الألداء-قد سبقوهم إلى ذلك، هذا بالرغم من أن إسلام أباد ظلت حليفاً شديد الانحياز والولاء لأمريكا طيلة الحرب الباردة ضد الكتلة الشيوعية البائدة.
ويقال:إن اتفاق الغرب بقيادة أوباما مع النظام الإيراني كان يقضي بصعود وجه جديد للرئاسة في إيران يكون أكثر ملاءمة من أحمدي نجاد للمرحلة المقبلة. ولسبب ما زال مجهولاً نسف خامنئي الصفقة كلها وقرر إعادة إنتاج نجاد رئيساً!!غير أن القطار-كما يقولون-انطلق، ولبنان محطة لا يمكن التفريط بها، والسوريون جاهزون –بحكم براغماتيتهم ومصلحتهم السياسية-للتفاهم مع الأمريكيين في نطاق ما يحقق حماية نظامهم السياسي وتحصيل مكتسبات مقبولة ومتناغمة مع خطابهم، حتى لو استاءت طهران. وعليه فقد سارت دمشق في معالجة الملف اللبناني منفردة عن حليفتها إيران للمرة الأولى منذ ربع قرن، ولو أنه مسير يزعج لكنه لا يبلغ حد الطلاق بين الحليفين وهو الطلاق الذي يطالب به البيت الأبيض.
ويستشهد أهل هذه الرؤية بامتناع السوريين عن مساندة حلفاء لبنانيين لهم فكان مصير أولئك الحلفاء هزيمة منكرة في الانتخابات الأخيرة، كما أن جماعة8آذار كاملة وعلى رأسها حزب الله أذعنت لحصاد الانتخابات الذي جاء لمصلحة خصومهما من تجمع14آذار، والدليل هو تفرد الجنرال ميشيل عون في الهجوم المقذع على الانتخابات ونتائجها وعلى أعدائه السياسيين وبخاصة تيار الحريري سياسياً وبطريرك الموارنة طائفياً.
ووفقاً لمجمل ما سلف، فإن انشغال النظام الإيراني بمأزقه الداخلي عقب الانتخابات الرئاسية المختلف على نزاهتها وعلى حصيلتها، قد يكون فرصة ذهبية لرفع حصة سوريا في التأثير على الحلفاء اللبنانيين، الأمر الذي يتيح المُضِيّ في أشواط التفاهم مع العرب الآخرين ومع الغرب الأمريكي والأوربي.
وعندما تسأل فريق التحليل هذا عن سر التباطؤ الملحوظ في تأليف حكومة الحريري الابن على عكس المسارعة في اختياره لرئاستها، يأتيك الجواب:ما زالت هنالك تفاصيل يجري التفاوض بشأنها، وسوف تُعْلَنُ الحكومة فور الانتهاء من الاتفاق على تلك التفاصيل. .
وتبقى الأيام القليلة المقبلة حَكَماَ فيصلاً لتحديد نصيب هذا السيناريو من الصحة.