تقوم منظمات حقوق الإنسان الغربية بدور تبييض وجه الغرب حينما تصدر عنها بيانات منددة بجرائم وتجاوزات حقوقية غربية بحق الشعوب الأخرى التي تواجه احتلالاً أو اعتداءً مباشراً أو غير مباشر من قبل دول المقرات لهذه المنظمات.
هي كذلك تقوم بعمل احترافي بالغ الذكاء عندما تتخذ من إدانة أوضاع هي محل اتفاق الجميع تكأة لإدانة جهات إسلامية وقوانين دينية وما شابه؛ فلا تترك في الأولى تأثيراً يذكر بينما في الثانية تمثل ضغطاً على شعوب وأنظمة "العالم الثالث"، وترفد الدول "الاستعمارية" بمبررات لتدخلها في شؤون الدول الأخرى، وكمثال؛ فإن "إسرائيل" لم تتضرر من بيانات هيومان رايتس ووتش بشأن استخدام جيشها لأسلحة "غير مشروعة" على سبيل "العمد أو الإهمال"!! بينما يمكن أن تمثل بياناتها بشأن أوضاع لا ترتضيها منظومة "القيم" الغربية على بلد كالسعودية ضغطاً أو لنقل تأثيراً فيها أو دافعاً للزمرة المتغربة من مثقفيها إلى الاستعانة ببيانات وتصريحات كتلك.
وعندما نشرت هيومان رايتس ووتش تقريراً في موقعها قبل يومين عن حادثة غريبة ذكرتها صحيفة الرياض السعودية قبل عشرة أيام، قالت فيه المنظمة أن "عملية القبض على 67 رجلاً في الرياض في 13 يونيو 2009، بتهمة ارتداء ملابس للنساء، حسب ما تناقلت التقارير، هو خرق للحق في الخصوصية ولحرية التعبير، وهما من حقوق الإنسان الأساسية." وعندما دعت هيومن رايتس ووتش السلطات السعودية إلى "إسقاط الاتهامات المنسوبة إلى الرجال، وأغلبهم أجانب من بلدان أخرى، وإخلاء سبيل كل من ما زال رهن الاحتجاز منهم." إنما كانت تريد أن تدافع عن حالات تنفر منها المجتمعات المسلمة وترفض وجودها بين ظهرانيها، وتتخذ من تلك الحادثة حافزاً لها لطلب تقنين الشذوذ في المجتمع الإسلامي المحافظ في السعودية.
نستغرب كثيراً أن تقول رشا مومنة، الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إذا كان بإمكان الشرطة السعودية اعتقال الأشخاص لمجرد أن ثيابهم لا تعجب الشرطة، إذن فلا أحد آمن على نفسه"، وتضيف: "القبض على الأفراد واتهامهم لمجرد أن الشرطة ترى أن مظهرهم غير مقبول هي ضربة في صميم حرية الإنسان". غير أن تعجبنا يزول عندما نقرن هذه العبارات عن "الضربة في صميم حرية الإنسان" وبين استخدام الفوسفور الأبيض في غزة، واعتبار المنظمة أن ذلك ناجم عن "تعمد أو إهمال" من الجيش الصهيوني!! لأننا ندرك بالتأكيد لحساب من تعمل هذه المنظمات المغرضة التي تصطاد في الماء العكر فيما تقدم للبسطاء براهين سطحية على حياديتها المزعومة ببعض البيانات التي تدين "الكبار" في أسطر قليلة لا تستحق ثمناً أكثر من الحبر الذي كتبت بها.
هيومان رايتس سارعت على الفور إلى الاتصال بنائب القنصل الفلبيني في الرياض لسؤاله فأفاد بأن "الرجال يواجهون الاتهام بالتشبه بالنساء وحيازة مشروبات كحولية. وتم الإفراج عن الرجال الفلبينيين بعد أن دفع كفلاؤهم الغرامات المفروضة عليهم".
المنظمة أدانت مجرد تحقيق لم يفض في نظرائه إلا عن الإفراج عن المشبوهين، ومع ذلك تغمض عينها أو تتحدث بكلام أجوف عن جرائم مثل غزة أو سوات أو التعذيب في السجون في العالم يتضرر فيها ملايين من المسلمين، وتنتفض من أجل حفنة من المشتبه بشذوذهم!! مع أن المنظمة ذاتها أشادت بجهود سعودية في بيان لها صادر منذ أقل من أسبوعين (13/6/2009) جاء فيه: "المسؤولون السعوديون تعهدوا أثناء مراجعة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لملف السعودية في 10 يونيو (باتخاذ خطوات لإنهاء نظام وصاية الرجل على المرأة ومنح كامل الأهلية القانونية للمرأة السعودية ومنع التمييز بحق المرأة)"، فهل أرادت المنظمة وضع كل الملفات على الطاولة مع السعودية دفعة واحدة وفقاً لمعاييرها المعوجة عن حقوق الإنسان بما فيها نظرتها للشذوذ وضرورة تقنينه في العالم الإسلامي كله؟!