دعوة الحكومة العراقية البعثيين للمصالحة. ما الهدف ؟
25 جمادى الثانية 1430
سارة علي







[استطلعت الكاتبة آراء بعض الساسة والخبراء في العراق حول دعوة الحكومة العراقية للبعثيين إلى المصالحة، وكان من بينهم رئيس كتلة جبهة التوافق العراقية في البرلمان العراقي الدكتور حارث العبيدي قبل اغتياله رحمه الله من قبل مجهول بعد إلقائه خطبة الجمعة الماضية بمسجد الشواف، وقد شكك بحديثه في هذه الدعوة برغم تفاؤله النسبي بها]

 

لا شك أن وضع العراق بعد الاحتلال الأمريكي دخل في مرحلة اللاعودة، وعدم القدرة الأمريكية على الخروج من المأزق العراقي، ولذا تسعى الولايات المتحدة بين فترة وأخرى إلى تجريب استراتيجية جديدة أو خطط بديلة للوصول إلى أفضل الحلول لها، ومن تلك الخطط التي حرصت بها على أن تعيد لذاتها ماء وجهها في العراق، الاتصال بالمعارضة العراقية وقيام مسؤوليها ومندوبيها بتحركات مكوكية مع البعثيين العراقيين في الخارج.

وبرغم أن ثمة من يردد بأن أمريكا تسعى لعودة البعثيين إلى الحكم في العراق تحت مسمى آخر, إلا أن أحداً لا يمكنه التكهن بالنوايا الأمريكية وغاياتها من ذلك، فالمثير في المسألة هو أن يقوم بهذا الدور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ويبدأ بتوجيه الدعوة إلى المصالحة وبالتحديد مع البعثيين العراقيين برغم رفض حزبه لذلك، وهو ما أثار استغراب الكثير من المحللين ما الغرض من هذه الدعوة, ففي الوقت الذي بين فيه المالكي رغبة الحكومة العراقية الحالية بالمصالحة أثناء كلمته في قمة الدول العربية, يرفض حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي أية مبادرة للمصالحة مع البعثيين!!

في تلك القضية، تعددت رؤى القوى والأحزاب العراقية حول هذه الخطوة خاصة بعد أن أفرزت تلك الدعوى الكثير من الآراء في الواقع العراقي بين مؤيد ومعارض, وقد حرصت على سماع ذلك من أكثر من طرف من الأطراف المعادلة السياسية؛ فكانت هذه الإجابات من ثلاثة من أطياف متنوعة؛ فجبهة التوافق العراقية رحبت بهذا الطرح للمصالحة ولكن بنفس الوقت دعت إلى تحقيق ذلك على المستوى الفعلي والعملي.

الدكتور حارث العبيدي رئيس كتلة جبهة التوافق العراقية في البرلمان العراقي قال في إجابة خاصة لموقع "المسلم": "من وجهة نظري، أعتقد أن الحكومة العراقية أدركت أن هنالك أخطاءً قد ارتكبت في العراق منذ الاحتلال وسقوط النظام؛ فمن ذلك حل الجيش واجتثاث البعث، وأدركوا أن الأمور لا تستقر في العراق أبداً، وأن المصالحة لا يمكن تحقيقها إلا بإشراك ودعوة جميع مكونات الشعب العراقي بمن في ذلك البعثيون، وأدركوا أن القول المطروح منه ليس كل بعثي قد ارتكب جرما بحق الشعب العراقي؛ فبالإمكان فتح حوار مع  هؤلاء البعثيين واحتواؤهم، وتجنب صنع وإبقاء أعداء لها في الداخل أو الخارج، وأدرك من في الحكومة الحالية أنه لا يمكن تحقيق نجاح انتخابي إلا بالانفتاح على الجميع وتجنب اللغة التي كانت مستعملة من قبل بعض الأحزاب التي تبنت طرحا تعصبيا طائفيا كلغة الاجتثاث وصنع أعداء وأدركت ذلك بصورة واضحة بعد الانتخابات لمجالس المحافظات الأخيرة, وعلمت ماذا يريد الشعب وأي لغة وأي توجه يتطلع إليه، لاسيما ونحن قادمون على انتخابات برلمانية قادمة وقريبة وفتح الحوار مع البعثيين يدعم السياسيين الذين ينفتحون على الجميع، ولاشك أن للبعثيين وجودا في الساحة العراقية، وهنالك من يتعاطف معهم، ومن العقل والإنصاف احتواؤهم وعدم إقصاء من لم يرتكب جرما منهم بحق الشعب العراقي، وكل من ارتكب جرما بحق هذا الشعب سواء أكان بعثياً أو غير بعثي، بإمكاننا إحالته  إلى القضاء العراقي، هكذا يقول العقل والراجح والمنطق السليم ومبادئ وأسس حقوق الإنسان والقانون الوضعي والشرائع الدينية والقوانين والأعراف الدولية, لذلك أعتقد أنها دعوة حقيقية من جانب فتح الحوار ولكن هل سيتحقق بعد هذه الدعوة تطلعات جميع الأطراف؟ أنا أشك في ذلك لأن الدعوات الماضية لم تحقق تطلعات كل الأطراف المعنية ولذلك لم تؤت ثمارها ونتائجها بالشكل المطلوب وشعر البعض بخيبة أمل وإحباط".

 

وعن دعوة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال الأستاذ والصحفي العراقي المعروف وليد الزبيدي: "هي صيغة للبقاء في السلطة؛ لأن المالكي في وضع حرج جدا بعد أن يأس الأمريكيون من تحقيق أهدافهم الرامية إلى إنهاء المقاومة، وأجبروا على الانسحاب تحت وقع ضربات المقاومة؛ فهو ومن معه يدركون أن الانسحاب الأمريكي يعني انتهاء الحماية لهم، لذا يحاول إيجاد صيغة تبقيه في السلطة وتبقي عمليته السياسية التقسيمية الخطيرة، وهذا لن يتحقق إطلاقا، فنجده يلهث وراء سراب يسميه مصالحة, ووراء هذه الدعوة حاجة أمريكية بالأساس لأن أمريكا تتمنى أن تنسحب وتقول أنها تمكنت من صياغة عملية سياسية تشارك فيها الأطراف المعارضة والمقاومة للاحتلال، كما أنه يمثل حاجة ملحة للحكومة ولجميع أقطاب العملية السياسية الذين يدركون حجم الكارثة التي جاءوا بها للعراق من خلال المحاصصة المقيتة المدمرة والمالكي أيضا موقفه الواضح، وهو الذي وصف حزب البعث بأنه شر مطلق، وفي حقيقة الواقع هم ضد أي توجه عروبي قومي، لأن الأفكار والسلوكيات السياسية التي يتبعونها طائفية، وهذا ما يرفضه العراقيون، وظهور أي تكتل أو حزب ضد هذا التوجه سينهي وجود الأحزاب الطائفية، ولذا نرى أن أمريكا تقف وراء دعوة المالكي لطرح المصالحة لكونها في هذا الظرف تريد دخول الجميع في عمليتها السياسية؛ لكي تخلي مسؤوليتها من التعويضات الهائلة التي يستحقها العراق من جراء الحصار والغزو والاحتلال، ودخول الجميع في عمليتها السياسية يجعلها تتفاخر بأنها وضعت العراق على طريق السياسة التي تريد".

أما إن كانت هذه الدعوة هي لعبة سياسية الغرض منها عودة العرب إلى فتح سفاراتهم وتأسيس علاقات جديدة مع الحكومة العراقية أم لا؛ فيقول الزبيدي: "العرب واهمون لأنهم لن يتمكنوا من مواجهة الوجود الإيراني المتغلغل في جميع المفاصل الأمنية والإدارية والاقتصادية، هم يرسلون سفراء محصورون في المنطقة الخضراء في حين إيران تحكم سيطرتها على مختلف مناطق العراق من خلال ممثلها الرئيسي المالكي والأحزاب الطائفية الأخرى وجميع أقطاب العملية السياسية، ومن يريد التأكد من ذلك فليدقق بما تفعله الأجهزة الأمنية بجميع العروبيين ابتداء من تكريت وسامراء والفلوجة وصولا إلى الناصرية والسماوة والبصرة وديالى، وسيرى أن شركاء في العملية السياسية في العراق يعملون على تسويق صورة الحكومة الحالية إلى الحكومات العربية والعالمية، بعيدا عن الحقائق المرعبة على أرض الواقع". 

أما هيئة علماء المسلمين فقد أوضحت أن هذه الدعوة ليست حقيقية وغير جادة، وأشار الدكتور مثنى حارث الضاري (عضو مجلس الشورى – مسئول قسم الثقافة والإعلام في هيئة علماء المسلمين في العراق) في حديثه لموقع "المسلم" إلى أن "حكومة المالكي الآن تحاول أن تستجيب لضغوطات إدارة الاحتلال وبعض الدعوات العربية للمصالحة الوطنية، وتدعي أنها على استعداد لتحقيق ذلك، ولكنها في الوقت نفسه تشترط اشتراطات تفرغ هذه الدعوة من محتواها، وذلك باستبعاد جهات فاعلة من أي مصالحة على الرغم من أن هذه الجهات تعي تماما أن هذه المصالحة غير حقيقية وأنها حكومية، وبالتالي ترى أنها ليست جدية  ولكن تتخوف حكومة المالكي من بعض الأطروحات التي تقول بأن الإدارة الأمريكية تحاول فتح بعض الأبواب مع القوى المناهضة للاحتلال وفرضها على حكومة المالكي، وهنا يرد الحديث عن المقاومة وحزب البعث. إذن هي مجرد لعبة سياسية تعودنا من حكومة المالكي على طرحها بين حين وآخر"

إن الوضع في العراق اليوم لا يؤكد حقيقة الدعوة إلى المصالحة مع وجود قانون اجتثاث البعث، ورغم دعوة الكثيرين إلى استبدال هذا القانون بقانون العدالة والمساواة إلا أن ذلك لم يتم ومستبعد حدوثه في الوقت الراهن، والوضع الحالي يشير إلى صعوبة تحقق مصالحة بين الأطراف في العراق، بل إن الانقسامات بهذا الشأن موجودة حتى داخل الصف البعثي، سواء في الداخل أو الخارج حول أهمية هذه الدعوة ومدى جدية الخطوات في هذا السياق، ومن ثم تبقى الأمور على حالها من استئثار طائفة معينة بالسلطة من أحزاب رأت مصلحتها في السير بركاب الاحتلال، وإغلاق أي منفذ لتوسيع الحكم في العراق بما يقلل من نفوذها ويضعف وجودها.