فاجأت نتائج الانتخابات اللبنانية الكثيرين حول العالم ممن استسلموا لتوقعات نشرت في كافة الأرجاء عن توقع انتصار فريق "حزب الله" في الانتخابات بفارق ضئيل، والتقارير التي بثت في العديد من الصحف والمواقع الليبرالية الشهيرة وجميعها تسلم بانتصار "حزب الله" وفريقه "المسيحي"، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن الإيرانية وبحاراتها في العالم العربي.
لقد انهزم فريق 8 مارس (آذار) وتراجعت حظوظه السياسية الرقمية من دون أن يسلم كلية بالهزيمة لاعتباره ما زال يتحجج بما يدعيه عن الأغلبية الشعبية له لا البرلمانية التي أثبت الواقع أنها ليست له.
يحسن أن نقول بأن تعديل قانون الانتخابات لم يزل ظالماً لأهل السنة في لبنان وبشكل أقل للشيعة كذلك، ونتائج الانتخابات الحقيقية لو حصلت فإنها ستغير المعادلة تماماً لصالح المسلمين، وسيجد الجميع أنهم أمام استحقاق آخر يدفع بالأمور في اتجاه صحيح، ويجمل أن نقول أن التعديل الذي أبرم وفق اتفاق الدوحة لم يكن في صالح السنة وإنما أعطى أنصار عون حظاً أوسع برغم أنه فشل في الانتخابات.
لكن مع كل هذا؛ فإن النتائج أثبتت أموراً حاول كثيرون إخفاءها لفترة طويلة، وهي أن الشعب اللبناني لا يمنح من يسمون أنفسهم بأنصار المقاومة اللبنانية صكاً بالبراءة من كل خطيئة ويعطيهم الحق في احتكار السلطة هم وحلفاؤهم، وأيضاً أثبتت أن لبنان المتنوع ما زال حريصاً على طريقة معيشية يصعب تجاوزها وجرها باتجاه حلف يجافي المنطقة ويدخل لبنان في حسابات إقليمية لا تروق لكثيرين منه وفيهم "مسيحيون" يريدون للبنان قدراً من التعاطي الإيجابي مع الغرب.
الأهم فيما كشفته النتائج هو أن الشعب اللبناني لم يطرب لحرب "الوعد الصادق" ولم ينجر لأصحاب "المال النظيف" بلا تدقيق، بل الثابت أن الحرب التي جرت منذ عامين لا تحظى بالشعبية التي كان يصورها "حزب الله" في العالم العربي، بل بين مواطنيه الذين صوتوا دون دفع لبنان ضريبة نيابة عن إيران وليس عن فلسطين.
لقد كان اللبنانيون مجمعين على دعم المقاومة الفلسطينية عندما كان الجنوب اللبناني مسرحاً للمقاومة الفلسطينية ومحلاً للفدائيين الذين يقاتلون "إسرائيل" لتحقيق أهداف يختلف الناس حولها لكن يجتمعون حول القضية الفلسطينية نفسها.. يختلفون حول الفصائل والمنظمة، لكنهم كانوا يحيون "نضال" الشعب الفلسطيني، أما الآن فالوضع جد مغاير؛ فالحرب الذي وقعت في الجنوب لاستنقاذ أسرى الحزب وبعض الرفات لم تقنع اللبنانيين كلهم إلا أولئك المستفيدين مباشرة من "المال النظيف" الذي أسمى به زعيم "حزب الله" الدعم القادم من إيران.
لم ينطلِ على اللبنانيين ألا يتكسر زجاج نافذة في طهران فيما البيوت تسقط على رؤوس ساكنيها في لبنان ثمناً للمشروع الإيراني التوسعي والنووي في المنطقة، ولم يعد يصدق أحد "الوعد الصادق" فكانت الهزيمة في الانتخابات كما كانت في أرض المعركة.