أنت هنا

الأهداف الخفية لمنظمة العفو الدولية
13 جمادى الثانية 1430

أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي للعام الجاري(2009م)، فتعامل الإعلام العربي معه التعامل التقليدي المكرور الانتقائي بامتياز!! أي: أن كل وسيلة إعلام –بعامة-اختارت ما يلائم هواها وأهواء مالكيها وضغوطات محيطها، فابتسرت الفقرات التي  تتحدث عن انتهاكات خصومها السياسيين لحقوق الإنسان وتجاهلت تماماً الفقرات التي تفضح انتهاكات مماثلة أو اشد فداحة مما عيّرت به أعداءها في دنيا الفكر أو السياسة.
إلى هنا، ما زال الخطب سهلاً والعلاج ميسوراً، ففي زمن الفضائيات وشبكة المعلومات العالمية(الإنترنت)، يمكن تجميع الأجزاء المتناثرة وتكوين الصورة المقطّعة أشلاء. وبذلك تسقط ممارسة الرقابة الفوقية التي تنتمي إلى عصر ولّى إلى غير رجعة، يوم كان الحاكم بأمره يقفل أبواب عاصمته بعد غروب الشمس ويضع المفتاح تحت رأسه مطمئناً إلى استتباب الأمن-بمقاييسه الذاتية.

 

أما الضحية الحقيقية لهذه السياسة الفاشلة، فهو تعذر قراءة الخلفية الفكرية للمنظمة وتقريرها، وهي خلفية تتسلل ما بين السطور، حيث ينطق المسكوت عنه بكثير من بنود الأهداف الخفية التي تتقنع بشعارات حقوق الإنسان ذات البريق المغري والمغرِّر في الوقت نفسه. ففي خضم القراءة الانتقائية الذميمة، ضاعت نقطة جوهرية في التقرير، وهي المتصلة بتباهي المنظمة بنجاحها في "تمرير"قرار  في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنع عقوبة الإعدام في العالم كله، وعلى الأقل التوقف عن تنفيذها موقتاً، في خطوة تمهّد لتجريمها نهائياً في مرحلة لاحق. والأسوأ من ذلك أن بعض البلدان العربية صوتت بالموافقة على هذا القرار الذي يفرض رؤية الغرب المادي/الصليبي للكون والإنسان والقيم والأخلاق معاً!!!

وهنا تنبثق جملة من علامات الاستفهام التي يستحيل على عاقل أن يتجاوزها، بل يجب التوقف أمامها بكل جدية وحزم، ومنها: لماذا هذا التركيز الغريب والمريب على منع عقوبة الإعدام –المختلف فيها حضاريا وثقافيا في الأقل-بدلاً من التركيز على التعذيب المُجْمَع على رفضه أممياً وتاريخياً؟
ثم أليس القتل خارج القانون-القتل السياسي من قبل حكومات مستبدة- أجدر مليون مرة من جعل إعدام القتلة ومهربي السموم على درجة واحدة مع الفتك بالأبرياء الذين تتم تصفيتهم كحشرات؟
ألم تسأل منظمة العفو الدولية نفسها عن سر تجاوب النظم القمعية في عشرات الدول القمعية-باعتراف المنظمة نفسها في تقاريرها قديمها وجديدها- مع مسعاها المناوئ للقصاص العادل  من مجرمين تتم محاكمته بعدالة وبعد التيقن من ارتكابهم فظائع لا خلاف في إدانتها بين البشر كافة ؟ألا يرجع انضمام النظم الديكتاتورية إلى "زفّة"المنظمة إلى اهتمام هذه النظم ببتر ذوي الرأي بالقتل المدان أو التعذيب الوحشي أو النفي أو. . . .  فليس لتلك النظم مشكلة مع القتلة والمفسدين بالأرض-بل إنها تستخدمهم في كثير من الأحيان!!-
إن المنظمة بحكم هويتها وبنيتها، تنطلق من الفكر الغربي المادي الوضعي، وهو فكر يسعى الغرب-كل الغرب بتناقضاته كلها-يسعى إلى فرضه على الآخرين بالقوة الخشنة(الاحتلال والانقلابات وتغيير الحكومات بالمؤامرات والاغتيالات والحصار الاقتصادي. . )أو بالقوة الناعمة(ضغوط سياسية ودبلوماسية وثقافية على صعد ثنائية وجماعية ومن خلال المنظمات الدولية الرسمية التي يفترض فيها احترام التنوع وتقدير خصائص الأمم ومعتقدات الشعوب). . . 

 

أما حجم التباين بين الواقع والشعار بما يكشف النفاق الغربي المزمن، فيكفي لمعرفته إلقاء نظرة على ما يجري في فلسطين والعراق وأفغانستان. . . . وهو الأمر الذي صوّره شاعر عربي قبل قرن من الزمان بقوله:
قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغْتَفَرْ    وقتل شعبٍ آمِنٍ مسألةٌ فيها نَظَرْ
وربما كان من سوء حظ المنظمة المتباكية على حقوق الإنسان، تزامن تقريرها السنوي الأخير، مع ظهور تقرير أوربي حقوقي يقر بأن ثلثي المسلمين في القارة تعرضوا للتمييز ضدهم عام 2008م فكيف تستمر العنصرية البغيضة في هذه الدول التي تمنع الإعدام منذ سنوات طويلة؟