الرئيس الأمريكي آتٍ إلى منطقتنا،واختار مصر-كبرى الدول العربية-منبراً لما يقول:إنها رسالته إلى العالم الإسلامي،فما الذي يحمله باراك أوباما في جعبته؟
لا بد في البدء من تسجيل ملاحظة هي أن الرئيس الأمريكي الجديد يتحدث بلغة تختلف عن لغة سَلَفه الصليبي المهووس جورج بوش الابن.لكن تَبَدُّل الأسلوب لا يعني بالضرورة تغيراً إيجابياَ في الواقع،وبخاصة في حالة العم سام مع المسلمين،إذ تتسم العلاقة تاريخياً بعداء أمريكي مطلق منذ نشوء الولايات المتحدة الأمريكية،والملف حافل بالوقائع المعروفة للجميع،ويكفي من ذلك الملف تأييد واشنطن الأعمى للكيان اليهودي الغاصب ضد العرب والمسلمين،على امتداد عشرات السنين.
ومع ذلك،فلا بأس من الحديث عن التفاصيل البسيطة لكي تتأكد الحقيقة المراد إخفاؤها الآن بكلام عام وعائم فضفاض لا يسمن ولا يغني من جوع.ولا مانع من تصديق الرجل-جدلاً-عندما يعارض الاستيطان الصهيوني فوق أراضي الضفة الغربية المحتلة-لأن فلسطين المغتصبة عام1948م باتت خارج النقاش لدى الغرب وأدواته التغريبية والنظم السياسية العربية التي حصرت مطالبها في حدود1967م تحت شعارات وذرائع شتى-.لنفترض إذاً صدق الرجل وجديته،فما الذي يتوقعه العقلاء من نتائج فعلية؟
نقول ذلك ونحن نعتقد يقيناً أن لا شرعية لكيان الظلم الصهيوني فوق ثرى فلسطين الطاهر،لكننا سنتعامل مع المنطق السائد لكي نثبت عقم الاستسلام حتى بمقاييس الذين يغضون النظر عن حكم الله في القضية،ويتجاهلون قناعة الأكثرية الساحقة من الأمة بل من الفلسطينيين أنفسهم-وهم أهل الجرح الأقربون-.
فهنالك سؤال ضروري ينبغي توجيهه لأوباما ولوزيرة خارجيته هيلاري كلنتن،عن السبب وراء حديثهما عن بعض آثار الاحتلال (أي الاستيطان)بدلاً من وضع اليد على أصل الداء(الاحتلال)؟
الحقيقة أن الرجل-حتى لو صدقت نيته وليس لدينا ما يشهد بذلك - يدرك حدوده فقبل أن يفعل شيئاً سوى إطلاق كلام فيه قليل من الحق وصمت عن جذور الجور، تصدى له ثلثا أعضاء الكونجرس ليقولوا له:لن نسمح لك بالضغط على تل أبيب!!ونسبة الثلثين في كونجرس يسيطر عليه الحزب الديموقراطي-حزب أوباما ذاته-هذه النسبة تعني أن الأكثرية من حزب الرئيس ليسوا مع طروحاته!!
ولنتذكر بوش الأب ومؤتمر مدريد فقد أجبر في عام1991م رئيس وزراء العدو الإرهابي إسحاق شامير على المشاركة في المؤتمر وعلى تجميد الاستيطان فترة معينة لكن النتيجة النهائية لا تحتاج إلى تعليق:تضاعف الاستيطان بمعدل700%!! وانتهى الكفاح الفلسطيني المسلح وأصبح مناضلو الأمس حرس حماية للعدو وجلادين لإخوانهم ثم مات صانع أوسلو نفسه-عرفات-محاصراً في غرفتين بلا ماء ولا كهرباء حتى اغتيل بالسم.
فإذا قرأ المرء ما بين السطور مما يقال ويتم تسريبه وقام بملء الفراغات المتروكة عمداً،خلص إلى أن المطلوب اليوم هو تطبيع العرب بل المسلمين كافة مع العدو في مقابل وقف الاستيطان في البؤر التي يصنفها غلاة اليهود على أنها غير قانونية-وكأن هنالك استيطاناً قانونياً-!!فإذا سقطت آخر ورقة سياسية بيد الحكومات بعد التضييق الرهيب على مبدأ المقاومة الأهلية وتجريمه باسم مكافحة الإرهاب غربياً وتحت شعار التبعية لإيران عربياً فعلى المطبعين عار لا تمحوه السنون ولا القرون ومواجهة مع شعوبهم لا حل وسطاً فيها:فإما هم وإما الشعوب!!والتاريخ يقول في مثل هذه الحالات حكماً وحيداً :أن النظم تذهب والأمم تبقى،وأن المنهزمين يزولون محتقرين وأن الشعوب تثأر لكرامتها وحقوقها ولو طال الزمن.
ليتعظ المهرولون من لعنة الملك الكامل الذي سلّم القدس للصليبيين من أجل كرسي حكمه فحررها المسلمون من جديد وباء الرجل بمقت الأجيال.وفي تاريخ سوانا ليسألوا الفرنسيين عن بيتان الذي كان مضرب المثل في البطولة في الحرب العالمية الأولى ثم حوكم واحتقره الفرنسيون بعد أن حرروا بلدهم من الاحتلال النازي.وكذلك لنظروا في بؤس الحركيين –وهم الجزائريون من عملاء الاستعمار الفرنسي -