أنت هنا

تفجير زاهدان.. زمان ومكان
5 جمادى الثانية 1430







لا يمكننا أن ننتظر نتائج التحقيق في قضية تفجير زاهدان كيلا نستبق الأحداث، ولا نرجم بالغيب في أمر غامض كهذا، وليس بوسعنا أن نتمهل ريثما تبوح وسائل الإعلام بأسرار تستقي معلوماتها من مصادر "موثوقة" كون السياج الإعلامي ـ كما الأمني ـ لما يرشح من أنباء عن الداخل الإيراني أقل بكثير مما يروي عطش المتابعين والمراقبين بشيء من الإنصاف والعدالة.

ليس بوسعنا أن ننتظر عدالة قضائية قلما تظهر في مناطق يغلب على سكانها الانتماء إلى "مذهب" لا يتوافق مع المادة 12 من الدستور الإيراني التي تنص على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الاثنا عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد"، والتي شهدت مناطقها العديد من القضايا الملفقة والاتهامات المعولبة والإعدامات الممنهجة، ولا باستطاعتنا أن نتوقع صدقاً في روايات بدت لأول وهلة عصية على التصديق عندما تحدثت عن "انتحاري" وقنبلة "ثانية"، كما في وكالة الأنباء العمالية الإيرانية، ثم اضطربت مع تصريح محافظ سيستان بلوشستان للتلفزيون الرسمي بأن التفجير كان بواسطة عبوة ناسفة، وهو ما كان يدعو للتساؤل أولاً عن فرادة هذا العمل الذي يحوي "انتحارياً" و"عبوة مجاورة" متشاركين في عملية واحدة بشكل يجافي المنطق والعقل معا!! قبل أن يبادر المحافظ إلى رتق هذه الرواية لاحقاً.

على كل حال، سيتبادر إلى أذهان كثيرين أن "سنيين" قد أقدموا على فعلة كهذه من باب أن لهم أهدافاً تتعلق بحقوقهم في إيران لاسيما في مناطقهم، وسيصار إلى القول إن إرهابيين قد فعلوها مستهدفين دوراً للعبادة ليست محل تحقيق أهداف سياسية، وأنهم ربما نفذوا ذلك تأثراً بـ"الوهابية" وفتاواها التكفيرية.. إلى آخر هذه الاسطوانة التي ترددها وسائل الإعلام الإيرانية والجوقة التابعة لها، وللقوم أن يفكروا بما يدور بعقولهم، ولا حجر في ذلك على أحد.

لكن أكان المقهورون الذين يمثلون ثلث سكان إيران من المسلمين السنة المضطهدين سيقدمون على ذلك أو يقدم بعض متطرفيهم عليه في هذا التوقيت الذي يضرهم ولا ينفعهم، حيث تقترب الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية الرئاسية الإيرانية على الانتهاء، ويعوز الأقليات أن تتواءم مع مرشحين يقتربون شيئاً ما من بعض تطلعاتهم المشروعة، ومنهم المرشحون الموسومون بالاعتدال داخلياً كمهدي كروبي الرئيس الأسبق للبرلمان الذي دغدغ مشاعر الأقليات القومية ـ وثمة تداخل معروف بين ما هو قومي ومذهبي في إيران إلى حد كبير ـ حين التقى بعض ممثليهم وتعهد بتطبيق بعض المواد في الدستور التي علاها الصدأ وتعطي بعض الحقوق المهدرة ـ في ظل الثورة الإيرانية ـ للأقليات غير الفارسية، ودعا إلى تعديل الدستور بهذا الصدد وإصلاحات موازية في حال انتخابه، ما حدا ببعض الأقليات لأن تتعاطف معه.

هل هناك أقصر من هذا الطريق لزيادة حظوظ الصقور في الديوان الفارسي؟ وهل هناك أصعب من أن يكون التفجير في مدينة زاهدان حيث الأغلبية السنية تشهد صحوة إسلامية وحضوراً لافتاً يدعوها أن تحافظ على وضعها وتبني عليه بدلاً من استنفار كل أدوات التطرف الآخر ضدها؟!

إن من فجر المرقدين في سامراء بالعراق، وأشعل سلسلة من المجازر الميليشياوية ضد الغالبية السنية في العراق، قد لا يكون بعيداً عن التفجير في زاهدان، حيث لم يتبين على وجه الحقيقة من كان مسؤولاً عن هذين التفجيرين حتى الآن، ولربما ننتظر طويلاً لنعرف المسؤولين الحقيقيين عن تفجير زاهدان وإن أعلنت جهات مجهولة مسؤوليتها عنه فيما بعد.. إذ سيظل لدى اللاعبين الحقيقيين أسراراً لا يعرفها اللاطمون البسطاء..