
ترتبط الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تركيا مؤخرا بشكل واضح بالدور الإقليمي الجديد لأنقرة في خريطة الشرق الأوسط والذي برز بقوة بعد احتلال العراق فبعد أن كانت تركيا تنظر بشكل قوي تجاه دول آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي فإنها اليوم تبدو أقرب إلى الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى وذلك بعد أن تبدلت الحسابات الإقليمية في المنطقة برمتها نتيجة احتلال العراق.
وبحسب المراقبين السياسيين أن الدور الإقليمي التركي ظهر بوضوح عقب وساطتها في عملية السلام السورية الإسرائيلية غير المباشرة التي جرت على مدار أربع جولات في إسطنبول.
ومما لاشك فيه أن الحرب الأخيرة ضد غزة عززت موقع تركيا الإقليمي خصوصا موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان من حرب إسرائيل الشرسة على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة وموقفه أيضا في دافوس كل هذه الأمور تجمعت في بوتقة واحدة لصالح الدور التركي المتعاظم في المنطقة.
كما أن إردوغان وتعليقا على الدور الكبير الذي تلعبه بلاده في المنطقة قال أنه:" لا يمكن أن يكون مبدأ اللا حل سياسة أو نهجا لنا نتبعه ولا يمكن أن يكون التجاهل والمسايرة والاهتمام مظهريا فقط أسلوبا ننتهجه فهذا لا يليق بدولة كبيرة مثل تركيا ولا يليق بحزب مثل حزب العدالة والتنمية ولا يمكن لتركيا أن تحقق أي شيء عن طريق الخوف والقلق والامتناع عن تحديد مواقفها".
ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 والسياسة التركية تسير بإتجاه العمل الجاد على كافة الجبهات في محيطها الإقليمي كما أنها ترى وبحسب مفاهيم إردوغان أنه لا بد من التصرف بالقدر الذي يوازي أو يكافئ مكانة تركيا وعمقها الحضاري وعمقها الإستراتيجي في المنطقة.
سياسة العمق الإستراتيجي:
يعتبر التعديل الوزاري التركي الأخير الحدث الأهم على الساحة السياسية التركية نظرا للأبعاد التي يحملها على الصعيدين الداخلي والخارجي فهو يهدف إلى تعزيز عملية صنع واتخاذ القرار التنفيذي الداخلي من خلال ترتيب البيت الداخلي في حكومة إردوغان التي تعرضت لهزة كبيرة بعد الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في التاسع والعشرين من شهر مارس/آذار الماضي بعد الفوز الخجول الذي حققه حزب العدالة والتنمية بحصوله على 38% من أصوات أما البعد الآخر فهو تعين أحمد داود أوغلو وزيرا للخارجية في هذا التوقيت بالذات الذي يعنى الكثير بحسب المحللين السياسيين الذين يرون أن تعين هذا الرجل في هذا الوقت يشير إلى أن المنطقة مقبلة على رسم خريطة جديدة لمعالمها وأن تركيا وعبر رئيس دبلوماسيتها داود أوغلو سيلعب هذا الدور بداية بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرروا بعملية السلام على المسار السوري الإسرائيلي وختاما بملفي العراق وإيران.
ويفهم أيضا من خلال تسليم داود أوغلو لحقيبة الخارجية بأن حكومة إردوغان ستولى أهمية بالغة لأجندة أعمال السياسة الخارجية التي ستتيح لها الاضطلاع بمهام الاستقرار الإقليمي وبناء قوة النفوذ التركي وعلى وجه الخصوص السيطرة على ممرات إمدادات النفط والغاز العالمية والسيطرة على مفاتيح المشاكل الشائكة في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز.
تعزيز الدور التركي:
ساهمت التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي شهدتها تركيا خلال السنوات الأخيرة في تعديل أنقرة لمعظم خياراتها السياسية والاقتصادية محليا ودوليا حيث تؤكد مؤشرات متعددة على أن الساسة الأتراك يعملون بجد على توسيع حضور بلادهم بقوة في منطقة الشرق الأوسط.كما أن الأحداث التي عاشتها المنطقة والدول المجاورة لتركيا بشكل خاص الحرب على العراق والضغوط الأمريكية على سوريا وإيران والحرب الإسرائيلية على غزة بالإضافة إلى الأحداث التي شهدتها منطقتي آسيا الوسطى والبلقان جعلت طروحات السياسيين الأتراك أكثر حيوية وقوة من العقود الماضية خصوصا الأمر الذي عزز رؤية سياسية جديدة في أنقرة جعلها تؤكد على ارتباط أمنها ومصالحها القومية مع محيطها الجغرافي واعتبار نفسها جزءا لا يتجزأ من هذه المنطقة.
يعنى باختصار سياسية إردوغان ورفاقه تأسست على مراجعة خيارات أسلافهم والبحث عن صيغ جديدة تنتهج فيها أنقرة سياسة متوازنة تضمن لها مواصلة مسيرتها نحو أوروبا في الوقت نفسه تحقق فيه مصالحة مع نفسها أولا و محيطها الإسلامي ثانيا.
خطة استراتيجية:
لقد أصبحت تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 تولي أهمية خاصة للأحداث الجارية في محيطها الإسلامي عامة ومنطقة الشرق الأوسط خاصة وبالإضافة إلى حرص أنقرة على حماية مصالحها في المنطقة.
فقد حرصت على تولى رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي وتبنت مشروعا لتطوير أجهزتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي كما تتابع باهتمام بالغ تطورات الملف العراقي، وملف القضية الفلسطينية، ومختلف الملفات الساخنة الأخرى سواء في العالم العربي والإسلامي أو في منطقتي أسيا الوسطى والبلقان.
ومما لاشك فيه أن العامل الأمريكي له دور كبير في نيل أنقرة الثقة بنفسها حيث شجعت إدارة أوباما أنقرة على القيام بدور إقليمي يتناسب و حجمها وموقعها الجيو-استراتيجي.
وأخيرا..
سياسة تركية جديدة تـجاه منطقة الشرق الأوسط عنوانها "عدم التفرج" لكن السؤال المـهم هو عمـا إذا كانت أنقرة تملِـك الوسائل الفعلية للحفاظ على هذا الدور والوصول إلى حلول للمشاكل الشائكة في منطقتنا العربية والإسلامية...