الانفتاح التركي على إفريقيا
20 ربيع الثاني 1430
طه عودة




تعددت وتنوعت الدراسات التي تناولت علاقات تركيا بإفريقيا وراح كل منها يركز على جانب أو أكثر من أوجه هذه العلاقات فمنها ما انصب اهتمامه على تتبع مسار العلاقات التركية – الإفريقية منذ نشأة الجمهورية التركية الحديثة وذلك عبر مراحل تاريخية ومنها ما حاول من جانب آخر التركيز على دراسة السياسة الخارجية التركية في إفريقيا: أهدافها، وإرداتها، وأساليبها.

تركيا سعت منذ سنوات إلى بناء جسور التواصل مع دول ثلاث قارات هي أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا مفضلة المدخل الاقتصادي والتجاري إلى شعوب هذه القارات حيث أولت أهمية بالغة للدول الإفريقية من خلال بناء ما تسميه "الجسر الدولي للتجارة بين تركيا وإفريقيا" وهي تركيا - تعتبر أن هذا الجسر من شأنه أن يقرب الشعوب إلى بعضها، ويقارب رجال الأعمال والمستثمرين من كلا الطرفين.

فالزيارة التي قام بها الرئيس التركي عبد الله غول مؤخرا إلى كينيا وتنزانيا تندرج في هذا الإطار حيث حظيت زيارته لدول القارة السمراء باهتمام استثنائي لدى جميع الأطراف فهي الزيارة الأولى لمسئول تركي رفيع المستوى منذ عقود إلى دول إفريقيا وما كان لافتا للنظر أن الرئيس غول قال عقب عودته لأنقرة "إن تركيا أصبحت صوتا لإفريقيا وستستمر بالقيام بذلك، حيث نقوم بإظهار اهتماما بالغا بالمشاكل التي تعاني منها القارة.وأصبحت تركيا والدول الإفريقية بوضع كأنهم يكتشفون بعضهم من جديد".

وحملت زيارة الرئيس غول إلى هاتين الدولتين أبعادا غير معلنة لعل أبرزها أنها جاءت في وقت شهدت فيه العلاقات التركية "الإسرائيلية" توترا غير مسبوق بسبب حرب غزة فضلا عن أنها تضمنت ما ظلت تعتبره واشنطن محرما على أنقرة القيام به فقد كسرت أنقرة الحظر الأمريكي ودخلت في تفاهم مع دول إفريقيا في عدد من القضايا.

 

سياسية تركية جديدة في إفريقيا:

تواجه تركيا عقبات جدية أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي ولا يخطئ المراقب التعنت الأوروبي لعرقلة انضمامها إلى الاتحاد وإدراكا لهذا المعنى الخفي فإن تركيا تسعى جادة إلى الانفتاح الاقتصادي والتجاري والسياسي على كافة الدول الإفريقية سبيلا للتكامل الاقتصادي والتنموي والاندماج الحضاري في مواجهة اتسونامي العولمة.

فأنقرة تقوم بمناورة ذكية مع الاتحاد الأوروبي عبر خلق بدائل اقتصادية تمكنها من اختراق أسواق إفريقيا التي تمتصها الدول الأوروبية دون جدوى لشعوب هذه القارة.

وبحسب المراقبين السياسيين إن هذه المناورة التي تقوم بها أنقرة تستبطن رسالة موجهة إلى فرنسا خصوصا مؤداها أن تركيا قادرة على طرح نفسها بديلا مقبولا بل ربما مفضلا عن فرنسا التي تعامل الشعوب الإفريقية بعقلية استعمارية.

وتراهن تركيا في استراتيجيتها الاقتصادية مع إفريقيا على غياب العقد التاريخية التي تعكر علاقات شعوب القارة مع باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل على تذويب الهويات وتفتيت الذوات الحضارية للشعوب الأخرى فاعتناق الدين الإسلامي من أغلبية مواطني هذه القارة يسعف تركيا المسلمة في إقناع الدول الإفريقية بضرورة الانفتاح الاقتصادي البيني في مواجهة تكتلات الدول الكبرى التي تفرض نفوذها السياسي والاقتصادي تارة بالقرارات الدولية المجحفة وبالقوة العسكرية، تارة أخرى.

 

خطة تركية:

تولي حكومة حزب العدالة والتنمية أهمية كبيرة لتطوير علاقاتها مع محيطها الإسلامي حيث حرصت على تولى رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي وتبنت مشروعا لتطوير أجهزتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي كما تتابع باهتمام بالغ تطورات الملف العراقي وملف القضية الفلسطينية ومختلف الملفات الساخنة الأخرى سواء في العالم العربي والإسلامي أو في منطقتي آسيا الوسطى والبلقان.

وقد طرحت وزارة الخارجية - ولأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية - خطة استراتيجية لتنمية التعاون مع كل من العالم العربي ودول إفريقيا.وتتمحور هذه الخطة حول تنمية التشاور السياسي مع زعماء دول المنطقتين العربية والإفريقية وتفعيل حضور تركيا في المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والسعي للحصول على صفة المراقب في هاتين المنظمتين.

وفي الوقت الذي تخطط فيه تركيا لتنشيط حضورها الثقافي في الدول العربية والإفريقية من خلال فتح مراكز إعلامية وثقافية وتنظيم مهرجانات وأيام ثقافية واقتصادية تركية تضع أنقرة هدف تنمية تعاونها الاقتصادي والتجاري مع البلدان العربية والإفريقية على رأس الأولويات حيث قفز حجم الصادرات التركية إلى هذه البلدان من 3 مليارات ونصف المليار دولار عام 2002 إلى 12 مليار دولار في عام  2004.وبرغم هذه القفزة للصادرات التركية نحو الدول العربية والإفريقية ترى السلطات أن هذه النسبة تبقى ضعيفة بالنظر إلى الحجم العام السنوي للصادرات التركية الذي بلغ عام 2005 قرابة 74 مليار دولار.

وتخطط تركيا التي تجمعها اتفاقيات للتعاون مع 29 دولة إفريقية لرفع حجم صادراتها نحو الدول الإفريقية إلى 4 أو 5 مليارات دولار سنويا كما تستعد للحصول على مشروعات في مجال المقاولات في هذه الدول بقيمة ملياري دولار وتسعى لرفع حجم استثماراتها في الدول الإفريقية من خلال تقديم مصرف أكسيم التركي (Turkish EXIMBANK) قروضا للمشروعات الصغرى ومتوسطة الحجم التي تهدف إلى نقل التقنيات الصناعية التركية إلى هذه الدول والمساهمة في عمليات التدريب الميداني للفنيين الأفارقة.كما تدرس تركيا حاليا تطوير آليات لتأمين إقامة تعاون مصرفي مباشر فيما بينها والدول الإفريقية وتخطط في الوقت نفسه لافتتاح مراكز تجارية في عدد من العواصم الإفريقية بهدف التعريف بالمنتجات التركية.

وإلى حد الآن، وقعت تركيا اتفاقيتين للتجارة الحرة مع كل من تونس والمغرب.وفيما لا زالت المفاوضات جارية في هذا الشأن أيضا مع كل من مصر والجزائر وجنوب إفريقيا، تستعد أنقرة للبدء في مفاوضات مماثلة مع السودان وإثيوبيا وكينيا والسنغال والكاميرون وجيبوتي.

وكانت حكومة العدالة والتنمية في أنقرة قد أعلنت رسميا السنة قبل الماضية "عام إفريقيا في تركيا" الأمر الذي شجع على بروز جمعيات ومراكز للدراسات تهتم بالشؤون العربية والإفريقية في الساحة التركية وهو ما من شأنه أن يحفز المستثمرين الأتراك مستقبلا على البحث عن فرص الاستثمار المشترك في الأسواق العربية والإفريقية.

 

الأهداف الإستراتيجية لتركيا في إفريقيا:

ركزت معظم الكتابات التي تناولت أهداف السياسة الخارجية التركية في إفريقيا على أن هذه الأهداف تكاد تنحصر فيما يلي:

 

- الدفاع عن بقاء مصالح تركيا في المنطقة وذلك من خلال فك طوق العزلة الأوروبية المفروضة عليها سياسيا واقتصاديا كي تتمكن من الخروج من هذه العزلة المفروضة عليها إقليميا لتتجاوز المسرح الإقليمي إلى ما وراءه (إفريقيا) والحصول على أكبر تأييد دولي لوجودها وسياساتها من جانب فضلا عن السعي لخلق تيار مناهض لمنافسيها في إفريقيا من جانب ثان.

- خلق مجال حيوي لطاقاتها وإمكانياتها الإنتاجية والفنية، على نحو يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من زيادة التبادل التجاري وخلق سوق واسعة للصادرات الصناعية التركية  وضمان مورد هام للخامات، وخلق مجالات عمل جديدة للخبرات الفائضة لدى تركيا.

 

نظرة في العلاقات التركية الإفريقية:

تعود علاقات تركيا بقارة إفريقيا للفترة التي أعقبت الحرب الباردة وارتبطت معها بعلاقات متميزة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى على المستوى العسكري والاستراتيجي.فقد اهتمت تركيا بالقارة الإفريقية وزاد اهتمامها بعد انتهاء الحرب الباردة.وتعتبر تركيا واحدة من إحدى أهم القوى الدولية الكبرى في العالم في مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة.

ورغم أن تركيا لعبت دورا مهما في تقديم المساعدات إلى الدول الإفريقية، إلا أنها كانت تتحاشى التدخل في النزاعات الإفريقية نظرا لتعقد تلك النزاعات، وتماشيا مع الاتجاه العام في السياسة الخارجية في تلك الفترة ولكن مع نهاية الثمانينيات تغيرت تلك السياسة حيث أعلنت تركيا سياسة جديدة تجاه إفريقيا قائمة على المساعدات والتبادل الثقافي وحفظ السلام.

وترتبط مع إفريقيا بعلاقات تاريخية وسياسية متميزة وهناك مجموعة من المصالح المتبادلة فالدول الإفريقية تحتاج إلى تركيا وفي حاجة للمساعدات الاقتصادية والتكنولوجية التي تقدمها تركيا التي لا تنطوي على أي شكوك سياسية.

 

المصالح الاقتصادية: وتتمثل في اختراق السوق الإفريقية - التي تعتبرها تركيا واحدة من حيث إغراقها بالمنتجات التركية الرخيصة السعر ومن ناحية أخرى ضمان تأمين تدفق المواد الخام من القارة الإفريقية بالإضافة إلى الاستثمارات التركية في إفريقيا.وعلى الرغم من التعاون الوثيق والعلاقات القوية بين تركيا وإفريقيا إلا أن هناك بعض السلبيات والعوائق التي تحول دون الوصول إلى الأهداف المنشودة للجانبين: ففي الجانب الاقتصادي هناك بعض المعوقات أهمها: عدم استجابة الجهات الإفريقية لمحاولات الجانب التركي للاستثمار في إفريقيا وعدم معرفة رجال الأعمال الأفارقة بالسوق التركي.وضعف مشاركة الدول الإفريقية في المعارض التركية.وتنوع وعدم وضوح القوانين الخاصة بالاستثمار في إفريقيا مما يجعل المستثمر أقل حماسا وأكثر خوفا وعدم الجدية لدى بعض المؤسسات الإفريقية وضعف إمكانيات المكاتب التجارية الإفريقية في أنقرة بالمقارنة بالمكاتب التركية في إفريقيا.

المجال الثقافي:تحتاج العلاقات للدعم وذلك بزيادة اشتراك الدول الإفريقية في الندوات والفعاليات الثقافية التركية وإقامة حوار تركي إفريقي بهدف تقليل الفجوة الثقافية وخلق موقف موحد إزاء ما يسمى بصراع الحضارات وإقامة مراكز ثقافية في كل من الجانبين وزيادة برامج تعليم اللغة التركية في الدول الإفريقية.

وبحسب المحللين الاقتصاديين يحتاج التعاون مع تركيا في شتى المجالات وبخاصة الاقتصادية والتجارية والثقافية يحتاج لخطة واضحة وبعيدة المدى ولا تركز على اللحظات الوقتية لأن تركيا  تحولت إلى دولة اقتصادية واعد تتسابق الدول ورجال الأعمال والشركات الصناعية الكبرى على التعامل معه للتعرف على إمكاناته في الحاضر والمستقبل سعيا للحصول على نصيبها من السوق التركي ومن ثم فان عدم وضوح التصور الذي سيقود التحرك الإفريقي الشامل وعدم وجود خطة اقتصادية وثقافية متكاملة سيضع إفريقيا في مكان متأخر في التعامل مع تركيا.

 

وأخيرا ... ربما يكون دخول تركيا منظمة التجارة العالمية مناسبة للدول الإفريقية لإعادة ترتيب التخصص في الصادرات التركية لأن تركيا سوف تسيطر على جانب مهم من السوق العالمية للمنسوجات والملابس الجاهزة ولعب الأطفال وبعض الأدوات الكهربائية.