المغرب وإيران... الأزمة الديبلوماسية والأفق السياسي
13 ربيع الأول 1430
إدريس الكنبوري

في تطور مفاجئ دخلت العلاقات المغربية ـ الإيرانية مرحلة القطيعة الديبلوماسية مجددا، بعد أزيد من عشر سنوات على تطبيع العلاقات التي لم تخل في أي وقت من إثارة بعض القضايا هنا وهناك، لعل من أبرزها الموقف الإيراني من جبهة البوليساريو، التي تنازع المغرب منطقة الصحراء منذ العام 1975، والتوجس المغربي من الأنشطة الدينية الإيرانية على خلفية نشر المذهب الشيعي.

 

الحادث الذي أدى إلى إعلان المغرب قطع هذه العلاقات، نهاية الأسبوع الماضي، يرجع إلى تصريحات رئيس البرلمان الإيراني السابق ناطق نوري التي قال فيها إن البحرين كانت تشكل في الماضي جزءا من التراب الإيراني، وذلك لدى الاحتفالات بالذكرى الثلاثين لقيام الثورة في مدينة مشهد. وقد سارع المغرب، إلى جانب بلدان عربية أخرى، إلى استنكار تلك التصريحات واعتبارها دليلا على أن إيران لم تحسم بعد في قضية الحدود، وربما يعكس ذلك وجود أطماع لديها. ووجه الملك محمد السادس رسالة تضامن إلى ملك البحرين، إلا أن الحكومة الإيرانية اعتبرت السلوك المغربي غير مناسب وانتقدت ورود"عبارات غير مناسبة" في رسالة الملك، وقامت باستدعاء القائم بالأعمال في السفارة المغربية بطهران، وهو ما رد عليه المغرب باستدعاء السفير الإيراني في الرباط وتبليغه احتجاجه على السلوك الإيراني، ومنح المغرب طهران مهلة أسبوع لتقديم توضيحات في هذا الشأن، وبعد انقضاء تلك المدة أعلنت وزارة الخارجية المغربية، السبت الماضي، قطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيران. وقال بلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون إن المغرب طلب توضيحات من السلطات الإيرانية "التي سمحت لنفسها بالتعامل بطريقة متفردة وغير ودية ونشر بيان تضمن تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب إثر تضامنه مع مملكة البحرين، على غرار العديد من الدول بشأن رفض المساس بسيادة هذا البلد ووحدته الترابية". واتهم البلاغ سفارة إيران بالرباط بالتدخل في الشؤون الدينية للبلاد، في إشارة إلى نشر المذهب الشيعي، حيث ورد فيه"هذا الموقف المرفوض والموجه حصرا ضد المغرب انضاف إلى نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي". وزاد قائلا أن"هذه الأعمال المدعمة تعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمملكة وتعارض قواعد وأخلاقيات العمل الدبلوماسي"، وختم بالقول إنه "لجميع هذه الاعتبارات فإن المملكة المغربية قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية ابتداء من اليوم (الجمعة) مع جمهورية إيران الإسلامية".

 

هذا التطور المفاجئ حصل في وقت كان الحديث فيه عن تطبيع العلاقات بين البلدين، وتجاوز التوجس الذي وسم المرحلة السابقة، إذ جاء مباشرة إثر تنظيم الأيام الثقافية الإيرانية الثانية في المغرب، في الشهر الماضي، وفي خضم الترتيبات لتنظيم الأيام الثقافية المغربية في طهران، في شهر مايو المقبل، إلا أن ما حصل أظهر صدقية التحليلات التي كانت ترى أن العلاقات المغربية الإيرانية لم تتجاوز بعد مرحلة الاستثناء والتوجس المتبادل، وما تزال بعيدة عن أن تصبح علاقات طبيعية. فمنذ السنة الأولى لقيام الثورة الإيرانية عام 1979 نشب نزاع قوي بين البلدين، بسبب منح المغرب اللجوء السياسي للشاه المطاح به، ما دفع الحكومة الإيرانية الجديدة إلى اعتبار تلك الخطوة نكاية في الثورة ونوعا من التآمر عليها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ أيضا نزاع خفي ذو أساس ديني، بالنظر إلى أن العائلة الملكية في المغرب تمد جذورها في البيت "العلوي"، والملك يعتبر وفقا للدستور أمير المؤمنين، وهي الحالة الوحيدة في العالم العربي، مما جعل الصراع بين البلدين يأخذ منحى آخر يتمثل في مشروعية الانتساب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

وقد ظلت العلاقات بين البلدين مقطوعة منذ قيام الثورة إلى بداية التسعينات، عندما أعادت إيران فتح سفارة لها في الرباط عام 1991، عقب مصالحة بين مسؤولي البلدين على هامش إحدى القمم الإسلامية التي عقدت بالدار البيضاء. وطيلة المرحلة التي سبقت عودة أجواء التفاهم المشوب بالحذر بين الطرفين، ظل التوجس قائما، إذ في عام 1984 ظهر الملك الراحل الحسن الثاني في التلفزيون المغربي وهو يلوح ببعض المنشورات، متهما السلطات الإيرانية بالرغبة في إحداث قلاقل داخل المغرب، في وقت كانت إيران تتحدث عن تصدير الثورة والمذهب الشيعي، بينما كانت آلة الحرب مشتعلة بين إيران والعراق.

 

 وبالرغم من التطبيع الديبلوماسي بين البلدين في بداية التسعينات من القرن الماضي، إلا أن التخوف المغربي من انتشار المذهب الشيعي الإيراني لم يهدأ. وظل الحديث عن المد الشيعي في المغرب محتشما بعض الشيء، مخافة إثارة أزمة مع إيران. ولم يخرج الحديث عن هذا المد الشيعي إلى العلن رسميا إلا في الصيف الماضي، عندما جرى تفكيك شبكة "بلعيرج"، وهو مهاجر مغربي في بلجيكا اعتقل في المغرب بتهمة السعي إلى القيام بتفجيرات، وضمن نفس الشبكة تم اعتقال بعض الأفراد من جماعتين إسلاميتين هما"البديل الحضاري" و"الحركة من أجل الأمة"، وهما جماعتان صغيرتان كانتا قد خرجتا من رحم حركة الشبيبة الإسلامية التي تم تفكيكها في بداية الثمانينات، ووجهت إلى هؤلاء تهم عدة من بينها التشيع، على اعتبار أن الحركتين كانتا في الماضي ذاتي ميول شيعية واضحة في مرحلة من المراحل، كانت فيها الثورة الإيرانية بمثابة نموذج لبعض الإسلاميين المغاربة.

 

ويبدو أن توجه المغرب، منذ تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، ناحية إعادة ترتيب مجاله الديني، أو "إعادة هيكلة الحقل الديني" كما يطلق عليه رسميا، قد جعل الدولة تطرح مسألة التشيع بجدية، بوصفه عنصرا يسيء إلى الوحدة المذهبية للبلاد، الممثلة في المالكية في الفقه والأشعرية في العقيدة والجنيدية في التصوف والسلوك، حسب التعبيرات الرسمية المتداولة. إذ تشير بعض التقارير إلى أن حوالي 30 ألف مغربي يعتنقون التشيع داخل المغرب وفي أوساط الجاليات المقيمة بالخارج. وقبل أشهر صرح الشيخ عبد الباري الزمزمي، أحد علماء المغرب المعروفين والنائب البرلماني عن حزب النهضة والفضيلة، بأن هناك مخططا للتشيع في المغرب تقوده السفارة الإيرانية في الرباط، وكانت تلك التصريحات بمثابة الفتيل الذي أعاد فتح النقاش الداخلي عن التشيع والتدخل الإيراني في الشأن الديني بالمغرب.
ويقول مراقبون إن قطع العلاقات مع إيران ربما لن يخدم المغرب في المرحلة الراهنة، ويعبرون عن تخوفهم من احتمال الاعتراف الإيراني مجددا بجبهة البوليساريو، أو تقوية التقارب الإيراني ـ الجزائري على حساب المغرب، وهو الأمر الذي قد يقلب الحسابات الديبلوماسية للمغرب، ويجعله يدفع ثمنا كان في حل منه.