بعد غزة..هل جاء الدور على السودان؟
5 صفر 1430
وليد الطيب

قبيل بدء العدوان على غزة، قدم المبعوث الأمريكي إلى السودان مذكرة للرئيس الأمريكي بوش، يدعوه فيه إلى جملة إجراءات عقابية وحاسمة على الحكومة السودانية، وقد اقترح وليامسون على الإدارة الأمريكية، في الأيام الأخيرة من العام المنصرم:
1. قطع خطوط الاتصالات وخدمات الانترنت من العاصمة السودانية الخرطوم، حتى تتوقف الحياة العامة ويشعر السودان بالضعف.
2. احتلال ميناء بورتسودان- المنفذ البحري السوداني- وتفتيش كل السفن الداخلة والخارجة، منه وإليه، بهدف حرمان السودان من عائد قدراته النفطية (500 ألف برميل يوميا).
3. تدمير سلاح الجو السوداني. الذي تطور كثيرا بفضل صفقات التسليح الناجحة بين السودان والصين، والسودان وروسيا، وما أنتجتها مصانع السلاح في السودان.
ولكن مستشار الأمن القومي الأمريكي ستيفن هادلي ، قال إن تلك المقترحات؛ معتبرة ومرفوضة في آن واحد، ولكن سوزان رايس التي سماها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، دعت  في 2007م إلى اتخاذ  إجراءات عقابية بما فيها ضرب السلاح الجو السوداني.
رغم رفض الإدارة الأمريكية لهذه المقترحات – رغم اعتبرها ووضعها تحت النظر كما في تصريح هادلي- إلا أنها تقدمت خطوة نحو الوجود  العسكري في السودان ، من خلال إعلانها أواخر الأسبوع المنصرم استعدادها توفير الدعم اللازم لنقل معدات وآليات العسكرية التابعة قوات حفظ السلام الدولية في دارفور.
وللتوقيت دلالاته التي لا تخفى على المراقب في الرئيس السوداني ما يزال وضعه القانوني/ الإنساني تحت نظر قضاة لاهاي الثلاث وتدقيقهم، ويتوقع أن تعلن المحكمة الجنائية الدولية قرارها بشأن إدعاءات المدعي العام موريس أوكامبو بحق الرئيس البشير، وهو إعلان له ما بعده، في الواقع السوداني، حيث تظل الأوضاع قابلة لكل الاحتمالات؛ بما فيهم انزلاق السودان نحو فوضي غير خلاقة، إذا قرر القضاة محاكمة الرئيس السوداني، إذ ستحال القضية لمجلس الأمن بغية تنفيذها باعتقال الرئيس البشير بواسطة أدوات مجلس الأمن وأجهزته المختلفة، بما فيها توظيف قوات الأمم المتحدة التي تعمل في حفظ السلام في السودان (10 ألف جندي في جنوب السودان+ 26 ألف في دارفور).                              

اليهود على الخط
لم تنقطع محاولات اليهود بإقناع الولايات المتحدة بالقيام بدور عسكري ضد النظام السوداني في دارفور بذريعة استنقاذ شعب دارفور، في مارس 2007م، دعا الخبير العسكري الأمريكي الصهيوني مارك هيلبرين؛ إلى قيام بعملية عسكرية خاطفة في دارفور لاستنقاذ شعبها من قبضة الحكومة السودانية ،يقول هيلبرين محرضاً (فعلى الرغم من أن دارفور جزء من السودان، فإنها في الحقيقة بعيدة عن مركزه، وعن مصادر قوته العسكرية. لذلك، يمكن القول إن كل بوصة من الـ600 ميل التي تفصل بين الخرطوم ودارفور، يمكن أن تتحول إلى مصيدة لأي قوة تابعة للجيش السوداني تعمل في تلك المنطقة بعيداً عن مصادر إمدادها وإسنادها. كذلك، يمكن أيضاً حرمان الجنجويد من قدر كبير من العون الذي يتلقونه، بمجرد قطع خطوط الإمداد المنهكة التي تصل بينهم وبين الجيش السوداني).
ويفصِّل هيلبرين خطته المقترحة (ولكن المتطلب الأول لإقامة نطاق عازل حول قوات الجيش في السودان، هو قطع خطوط الإمداد الجوية لتلك القوات، وهو ما سيتطلب تنفيذ ضربات جوية تنطلق من على حاملات طائرات لتدمير الـ51 طائرة قتال، و25 طائرة نقل و44 طائرة عمودية التي يمتلكها الجيش السوداني، وكذلك مستودعات الذخيرة، ومنشآت الصيانة، والمطارات القليلة القادرة على إسناد الناقلات الثقيلة، والطائرات المقاتلة. ولو وافقت تشاد على استقبال قوة حملة أميركية صغيرة الحجم، تتكون من طائرات إمداد من طرازA-10 التكتيكية، فإن عدداً قليلاً من تلك الطائرات سيكون قادراً على النيل من الجزء الباقي من مدرعات السودان، وعلى ضرب أي قوة من قوات مليشيا الجنجويد تشكل خطورة على السكان المحليين..). وينتهي هيلبرين إلى مخاطبة الشعب الأمريكي الذي أتعبته الحروب في الشرق الأوسط ( ويجب ألا نجزع من مثل هذا الاقتراح، لأنه يتعلق بضرب حكومة عملت طويلاً من أجل ذبح مئات الآلاف من شعبها سواء في الجنوب أو في الغرب، وساندت الإرهاب الدولي، وهددت معظم الدول المجاورة لها).
ونلحظ أن ما دفع به وليامسون مؤخراً للإدارة الأمريكية يتفق إلى حد كبير مع ما دعا لها هيلبرين بل يزيد عليه بإجراءات أشد قسوة ، قطع الاتصالات وخدمات الانترنت و محاصرة ميناء السودان الوحيد، وهو ما يشير أن سقف المطلوب من الإدارة الجديدة سيكون عالي جدا، ومكلف.
ويبقى يناير الجاري تاريخا حاسما في الشأن السوداني، فما بين المحكمة الجنائية الدولية، التي ستصدر قرارا بشأن الرئيس السوداني  وصقور الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة، يبحث السودانيون عن بر آمن لوطنهم، الذي يتهدد حق تقرير المصير في 2011م، وانتخابات هي الأخطر من نوعها في تاريخ السودان المعاصر، وكلاهما يمكنهما أن يجعلا من الخرطوم غزة أخرى، ناهيك من دعوات هيلبرين ووليامسون.