أنت هنا

ونصر عالمي للمقاومة..
5 صفر 1430

على مدى السنوات الستين الماضية من عمر الصراع مع اليهود، ظل الصهاينة ذوي حصانة دولية ظالمة، بحكم السيطرة الغربية الصليبية الحاقدة على الإسلام وأهله.
وكان الحكام العرب يثرثرون ليل نهار عما أسموه "كسب الرأي العالمي" من دون أن يفعلوا شيئاً، سوى الكلام والكلام والكلام.... وحتى لو حاولوا أن يقوموا بخطوات عملية، فما كان لهم أن ينجزوا أمراً ذا بال، لأن منطلقاتهم مغلوطة من أساسها، ومن الثابت بالتجربة الإنسانية، أن سلامة المقدمات لا تكفي للوصول إلى نتائج صحيحة، فكيف إذا كانت نقطة الانطلاق خطأً محضاً؟وهو ما عبّرتْ عنه العرب قديماً في مأثوراتها بمقولة جميلة معبّرة، هي:كيف يستقيم الظلّ والعود أعوج؟!
لقد كان الوهم الذي روّجت له نخب التغريب والاستسلام، أن امتناع الأمة عن الدفاع عن نفسها، هو الشرط اللازم لتبديل مواقف الشعوب الغربية، من موقع التأييد الأعمى للباطل الصهيوني إلى شيء من التوازن على الأقل.وكانت الحصيلة علقماً، بل يمكن القول بلا مبالغة: إن النتائج جاءت عكسية، فكلما هان العرب وتنازلوا طولبوا بمزيد ومزيد من التنازلات، حتى باتوا يلهثون وراء العدو ينشدون رضاه، لكنه يأبى إلا الرضوخ المطلق لإملاءاته.
أما بعد ملحمة غزة البطولية الرائعة، فقد  تحقق التغيير الجذري، في الرأي العام العالمي لأول مرة، بهذا المستوى الذي يشبه انقلاباً بدأ يثير الذعر لدى عصابات الصهاينة وسادتهم في واشنطن.
فثبات أهل غزة الأسطوري أثار احترام الشرفاء في أنحاء الأرض الأربعة، وحجم الوحشية اليهودية استفز ذوي الضمائر الحية، فإذا بالشعوب في وادٍ وبحكوماتها في وادٍ آخر.
فالمظاهرات الحاشدة عمّت مدن القارات كافة، والغضب من انحياز الدول إلى جانب العدوان انتشر وراح يستقطب شرائح اجتماعية متنوعة.وتحولت صورة الكيان الصهيوني المتباكي والمتدثر بعباءة الضحية إلى صورة وحش مهووس بشرب دماء الأطفال والنساء والشيوخ العزل.ولم تنفع هذا العدو هيمنة أثريائه وشركائهم على كبريات وسائل الإعلام الغربية ذات التأثير الواسع بناء على قدراتها الهائلة وخبراتها المتراكمة.
وبفضل الله الذي كتب النصر المؤزر لمقاومي غزة، تنادت مئات-أجل!! مئات-المنظمات والهيئات المعنية بحقوق الإنسان، لتحشد طاقاتها وتجمع جهودها، لرفع دعاوى عديدة ضد مجرمي الحرب الصهاينة وملاحقتهم على المجازر التي ارتكبوها في غزة الصامدة.
وذلك ما يفسر القلق الكبير الذي انتاب القادة السياسيين والعسكريين في تل أبيب، الأمر الذي اضطرهم إلى الاستغاثة بحلفائهم من اليهود والصليبيين في البلدان الغربية لمحاولة احتواء هذه الهجمة القانونية غير المسبوقة ضدهم.
وما من ريب في أن أذرع هؤلاء المجرمين طويلة ، وأن أظفارهم ومخالبهم قوية، وقد تنجح مساعيهم الخبيثة في وأد كثير من التحركات الجادة لمحاكمتهم على المستوى الدولي أو المحلي في هذا البلد أو ذاك.غير أن البداية تبقى مهمة ولها ما بعدها.والأهم أنها برهان إضافي قوي وقاطع على صحة استراتيجية المقاومة التي أثبتت قدرتها على تغيير المعادلات عسكرياً وسياسياً وإعلامياً وحقوقياً!!وهي في الوقت ذاته شاهد جديد على عقم دعاوى الاستسلام، وفشل الرهان على الغرب الرسمي فشلاً مطلقاً.
بيد أن إنجاز المقاومة هذا على الصعيد القانوني العالمي، يثير الأسى والحزن، لأنه يجد العرب الرسميين هم الغائب الأكبر-إن لم يكن الأوحد- عن الثورة الجديدة للاقتراب من الحق، والاعتراض على الباطل.فحتى  البلدان العربية التي تقيم علاقات بائسة مع الكيان الصهيوني، لم تشارك مجرد مشاركة في إقامة دعاوى لمطاردة مجرمي الحرب اليهود، وفقاً لاتفاقيات جنيف-وليس على أساس قوانينها الوطنية!!!-.
وفي هذا السياق نفسه تندرج غضبة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من كذب شيمون بيريس وسخف مدير جلسة ضمتهما في منتدى دافوس، في حين واصل الأمين العام لجامعة الدول العربية جلوسه المهين ولم يتحرك من مقعده تأييداً لانسحاب أردوغان الجريء.
وهنالك لقي أردوغان انتقاداً من عبيد الغرب في تركيا الذين عيّروه بأن مواقفه القوية تجاوزت العرب أصحاب القضية الأصليين!! فهل يصحو القوم ولو متأخرين جداً عن القريب والبعيد؟