أنت هنا

دعوة للمراجعة
25 ذو الحجه 1429




ربما هي دعوة للتوبة أكثر منها مجرد مراجعة فكرية أو سياسية.. هي أمور تتعلق في الحقيقة بأصول وقواعد رئيسية وثوابت لا يتسرب إليها التعديل أو التطوير، إنها مبادئ العلاقة التي تربط المسلمين بالغزاة من غير المسلمين، وقواعد العلاقة التي تربط المسلمين بإخوانهم، وحدود التلاقي والاختلاف معهم، ومناطق الخلاف أو الاختلاف.

وفي المقابل لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، هي هذه الانتقادات شديدة اللهجة التي تتردد على ألسنة دعاة وشيوخ وعلماء لهم حضورهم واحترامهم وتقديرهم في أوساط النخبة الإسلامية على وجه الخصوص على الأقل، والتي تتناول ممارسات فريق من المتنفذين في الحزب الإسلامي العراقي والذين راهنوا على خيار المصلحة ـ ربما هذا ما قاده إليهم اجتهادهم في النظر إلى الاحتلال، وكيفية التعاطي معه لاسيما في غياب تمثيل الجانب السني الأكبر في العراق، وهو رهان يختلف فيه معهم معظم القوى الإسلامية في العراق وخارجه على أرضية عدم السماح لقاعدة المصلحة لأن تسدي المساندة القوية للاحتلال بدعوى تقديم ما ينفع المسلمين السنة من خلال حضورهم وتمثيلهم في المؤسسات الحاكمة التي أفزرها الاحتلالين الأنجلوساكسوني والفارسي للعراق.

الانتقادات لم تتوقف للموقف الذي يجافي ما يمكن اعتباره إجماعاً بين المسلمين على مقاطعة الاحتلال في مؤسساته حكمه غير الشرعية، وقد كان آخرها منذ أيام عندما شن الدكتور عبد السلام الكبيسي الأمين العام المساعد لهيئة علماء المسلمين العراقيين ومسؤول العلاقات العامة بالهيئة هجوما عنيفا على الحزب الإسلامي العراقي متهما إياه بأنه يمثل أهم سند لقوات الاحتلال في الجانب السني، وأنه خرق الإجماع السني على مقاطعة مشاريع الاحتلال، كما اتهم الحزب الإسلامي في العراق بأنه اعترف علانية بتوقيعه على اتفاقية لندن التي وقعتها المجموعات السياسية المرتبطة بالاستخبارات الأمريكية قبيل الغزو، وهي الاتفاقية التي رحبت بغزو العراق من قبل الجيش الأمريكي لتخليصه من حكم البعث وصدام حسين، مثلما ورد في حوار معه لمصلحة موقع إسلام أون لاين؛ فالكبيسي الذي اعتبر أن الصحوات قد نجحت في اختراق المقاومة العراقية لحساب الأمريكيين هي من تأسيس هذا الحزب، لكن أهمها على الإطلاق، هو ذاك القادم من قلب هذا الحزب الذي تحدث مؤخراً أحد أكبر منظريه، وهو الشيخ محمد أحمد الراشد مديناً بشدة موافقة الحزب على الاتفاقية الأمنية مع الاحتلال الأمريكي، وهو انتقاد يكتسي أهمية لافتة كونه نقداً داخلياً ومن شخصية بثقل الشيخ الراشد، وهو ما يجعل الحزب في موضع المحاسبة من قبل القوى الإسلامية ليس في العراق وحدها، بل في العالم كله، لكن إلى حين تأتي هذه المحاسبة؛ فإن الحزب مدعو إلى أن يراجع نفسه جيداً ويباشر حواراً جاداً مع القوى الإسلامية الأخرى التي تراه قد تنكب طريق الحق، بل يراه بعضها قد اتخذ سبيل الشيطان.

إن الحزب بحاجة إلى مراجعة جادة فقهية وشرعية تعلى من الثوابت الإسلامية والأصول الفقهية والعقدية فوق كل أوجه المصالح الضيقة التي يجري الساسة خلف سرابها فيما يستفيد بتخديراتها بعضهم ممن وضع مصلحته الذاتية فوق كل اعتبار.

ولاشك أن كثيرين في المنطقة المحيطة بالعراق يأملون أن تباشر هذه المراجعة قبل الاستحقاق الانتخابي القادم، فهل يبصر القادة أن طريقاً ينفردون به عن سائر الأمة الإسلامية، لن يفضي بهم إلا إلى رقة في احترام الثوابت، وسراباً من أوهام الاحتلال؟!