أنت هنا

موت التهدئة الميتة!!
22 ذو الحجه 1429

لم يكن تشييع التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ودولة العدو الصهيوني إلى مثواها الأخير مفاجئاً لأحد، وكل ما كان ينقص دفنها هو الإعلان الرسمي لوفاتها!!فهذه التهدئة وُلِدَتْ ميتة في مهدها، وعاشت حالة موت سريري منذ الإعلان عنها، فاليهود أهل الغدر من قبل ومن بعد لم يكونوا مخلصين لها في يوم من الأيام، وإنما ارتضوها مضطرين إذ أرادوا من خلالها أن يلتقطوا أنفاسهم وأن يهدّئوا روع مستعمريهم الجبناء، الذين أقضّتْ مضجَعَهم  صواريخُ القسام البدائية المتواضعة، وأثبتت لهم عجز "الجيش الذي لا يُقْهَر"عن توفير الحد الأدنى من الأمن لهم، بالرغم من ترسانته العسكرية الضخمة، التي تخيف أكثر من  20دولة عربية تضم 300مليون نسمة، وفيها جيوش تبدو جبارة في العروض العسكرية فقط!!
وذلك يطرح علامات استفهام مشروعة عن سر قبول فصائل المقاومة بالتهدئة من حيث المبدأ، ما دامت تدرك مسبقاً أن العدو لن يلتزم بها إلا في أضيق نطاق ممكن؟بل إن ما أثار حيرة بعض المراقبين حينئذ موافقة المقاومين على هذه التهدئة بالرغم من رفض الكيان الصهيوني أن تشمل الضفة الغربية وأصر على حصرها في حدود قطاع غزة وحده!
وانتهز الطابور الخامس والمرجفون في فلسطين وغيرها تلك الموافقة، للمزايدة على حماس وشقيقاتها، مع أن فصائل الثبات أجبرت العدو على القبول بتهدئة مع جهات ترفض الإقرار بشرعية كيان الاحتلال اليهودي بأي صورة من الصور. ناهيكم عن أن المنافقين باعوا القدس وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم بدون مقابل من أي نوع!!!
والواقع أن القبول بالتهدئة كان خطوة ذكية وحصيفة من جانب تيارات الكفاح الشريفة المخلصة، فقد أحرجت الدول الأخرى التي دأبت على اتهامها بعدم الواقعية، ثم نجحت في تعرية مزاعم خصومها المتغربين، بتقديم برهان قاطع على أن تل أبيب التي يروجون للتسويات معها لا تريد سوى احتلال مزيد من الأرض وتهويد الوطن وتشريد ما تبقى من فلسطينيين من بلادهم(ولعل أحدث وقاحات العدو في هذا الميدان تصريح ليفني مؤخراً عن فكرة طرد عرب 1948 من أرضهم عند إقامة دويلة دحلان وشركائه على فتات فتات ما تتركه لهم من قطع متناثرة في الضفة الأسيرة!!).
وليس سراً أن التهدئة تمت بمساعٍ مصرية، الأمر الذي جعل أدوات الاحتلال وأشياعه من خاطفي فتح، جعلهم في زاوية حرجة جداً، لأن المصريين شهود على التزام المقاومين ببنود التهدئة وعلى نقض العدو لتلك التعهدات.
كما كان للتهدئة غاية أخرى شديدة الأهمية في الساحة الداخلية، إذ أقنعت الشعب الذي يبذل التضحيات أن قيادات الكفاح الشريف ليسوا هواة موت مجاني بحسب ادعاءات أعدائهم الكثر.
من هنا لم يكن حشد حماس لجمهورها العريض في غزة الصامدة قبل أيام سوى تأكيد جديد على شعبيتها الكبيرة التي لم يفت الحصار الظالم في عضدها، والتي أخفقت أبواق الخيانة في تضليلها وتيئيسها.
وبإنهاء التهدئة اليوم، سدد شرفاء غزة طعنة جديدة لمشروع بيع فلسطين لليهود، بالبرهنة على أن التهدئة موقوتة ومشروطة بالتزام طرفيها وإلا فإن التخلي عنها لا يحتاج إلا للإعلان عنه في وسائل الإعلام. مع ملاحظة أن أهل المقاومة لم يتوقفوا عن الرد على الاعتداءات الصهيونية حتى عندما كانت التهدئة سارية المفعول رسميا على الأقل، فكيف وقد أعلنوا بشجاعة عن انتهائها بلا رجعة إلا إذا عاد العدو صاغراً يبحث عن تهدئة جديدة يلتزمها رغم أنفه.
صحيح أن البدائل أمام أهل القطاع المرابط محدودة، لكنها أمام العدو أقل عدداً وأشد عسراً.
فالعدوان الصهيوني لم يتوقف يوماً، وليس أمام الجيش المهزوم المأزوم، سوى العودة المستحيلة لاجتياح القطاع. وهي مستحيلة لأن جنرالات العدو قبل ساسته يعلمون علم اليقين حجم الخسائر التي يتوقعون أن تلحق بهم من جرّاء عمل انتحاري أحمق كهذا العمل. وتجربة خروجهم المخزي من غزة سابقاً خير برهان. وبما أن أهل غزة لا يملكون ما يخسرونه فليس لهم إلا الثبات والصبر الذي يقهر العدو وأشياعه الأقربين والأبعدين على حد سواء.