أنت هنا

الحذاء ونهاية التاريخ
20 ذو الحجه 1429




هل كان الصحافي العراقي منتظر الزبيدي ينتظر أن يصبح شخصية عالمية لولا حذاؤه الذي سدده نحو الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن،الذي جاء إلى العراق المحتل لكي يزعم أن جريمته التاريخية انتصار باهر،فيغادر البيت الأبيض بعد أسابيع متباهياً مع حفنة من بقايا المحافظين الجدد،بأن هزيمته النكراء في بلاد الرافدين تعد فتح الفتوح.

جاء بوش إلى قلعة الاحتلال في عاصمة الرشيد"المنطقة الخضراء"،ليختزل فيها احتفاءه المهين،مع بقية أدوات العصابة التي نصبها للنيابة عن العم سام في تمزيق العراق وإذلال العراقيين.ولم يكن يتخيل أن يكون بين الصحفيين المختارين بعناية رجل قرر القيام بأضعف الإيمان المكبوت،والتعبير عن غضب أمته جمعاء،ليس من خلال أسئلة يمكن التحايل عليها بتشقيق الألفاظ وتزييف المفاهيم وتحريف المصطلحات.

وأثار التصرف الذي بات حدث العام،أثار ردود فعل متباينة،بين أكثرية أعلنت غبطتها بذلك،وحفنة مأجورة حزنت لإهانة سيدها المأزوم المهزوم،وقلة ترفض بوش وعدوانه،لكنها تود لو أن قذف الحذاء جرى في الشارع من مواطن عراقي عادي،متجاهلة أن العراقيين لا يتاح لهم فرصة رؤية بوش الجبان،فأنى لهم أن يبلغوه بمشاعرهم الدفينة؟

صحيح أن توجيه الإهانة الشخصية ليس وسيلة مقبولة للتعبير عن الاحتجاج أو المعارضة لموقف سياسي يتخذه زعيم أو جماعة أو حزب.فوسائل الاعتراض تقتصر على الرأي وسلاحها الأشد مضاءً هو الكلمة وما يشبهها.بل إن تلك الكلمة ينبغي لها أن تكون مهذبة وراقية،بعيداً عن الصراخ ورفع الصوت ومبرأة من الألفاظ السوقية.

غير أن البدهيات التي تنظّم مسلك المسلم في هذا الشأن،تختلف جذرياً عن ممارسات الآخرين،التي تتم باسم حرية التعبير،مثل رشق الأشخاص بالبيض الفاسد أو الطماطم التالفة.ولعل الكهول من البشر ما زالوا يذكرون الزعيم السوفياتي الهالك نيكيتا خروتشوف،في الستينيات من القرن الميلادي الماضي،عندما كان يلقي خطبة في الهيئة العامة للأمم المتحدة،فلما قاطعه مندوبو الدول الرأسمالية رفع حذاءه بيده وأخذ يضرب به المنصة حتى اضطرهم إلى السكوت!! فالسلوك الذي غاظ القوم وعملاءهم هو سلوك غربي بامتياز،فضلاً عن أن القهر الذي يعانيه العراقيون منذ خمس سنوات على أيدي المارينز والاستخبارات الأمريكية المدنية والعسكرية وزبانية السجون والمعتقلات،يجعل الناس قانطين من البحث عن دحر الاحتلال بالكلمة الطيبة والسلوك الحضاري،لأن أفعال القوم ضدهم هي من أشد الأفعال في التاريخ همجية وانحطاطاً-حتى بمقاييس الغرب ذاته-!!!

وكم كانت ابتسامة بوش الباهتة المصطنعة لمداراة خيبته مثيرة للسخرية،ودليلاً قطعياً على صدق اتهامات كثير من مواطنيه له ببلادة الإحساس والغباء العجيب.أما تعليقه بأن ما فعله الصحافي العراقي الجريء هو ثمن للحرية-يقصد الحرية التي جاء بها المحتلون للعراقيين!!!-،فكان أكثر إثارة للشفقة،وتعبيراً ضمنياً عن مستوى شعور أقوى دولة في العالم  بعجزها المطلق وهزيمتها الكبرى على أرض الواقع.

فهل حرية النهب المنظم والعمالة للأجنبي الغازي والذبح على الاسم والبطاقة الشخصية هي بعض الحرية المفتراة التي زرعها الحقد الصليبي اليهودي هناك؟

نحن نعلم أن أيتام بوش في بلاد المسلمين سوف يسعون إلى التهوين من شأن اللطمة التي تلقاها كبيرهم بذريعة أن قذف بوش بالحذاء لن يغيّر الواقع العراقي.وهذا حق يراد به باطل،وإلا فمن ذا الذي قال لهم:إن هذا الفعل سوف ينهي الاحتلال؟إنهم يكذبون الكذبة ثم يصدقونها!!فهي طعنة رمزية تجدد شباب المقاومة وتعزز صمود الأمة لكي تكنس الاحتلال وأدواته،بالرغم من توقيع الاتفاقية الأمنية المذلة،والتي سوف تكون بإذن الله أول ما يمحوه المجاهدون الشرفاء من عار الغزو وأذياله.