3 محرم 1430

السؤال

أنا فتاه فى 17 من عمرى.. تعرفت على أحد الشباب وتعلقت به، والمشكله أننى أتعذب كثيرا ولا أحب الدراسة وأبى يريدنى أن أدرس ولكنني أصبحت أنسى، ونحن نحب بعضنا كثيراً وأصبحنا نصلى.. لا أعرف ماذا أفعل علماً أن أبى لا يريدنى أن أتزوج إلا بعد الانتهاء من الدراسة؟!

أجاب عنها:
د. سلوى البهكلي

الجواب

استفحلت ظاهرة تكوين العلاقات الغير مشروعة قبل الزواج في مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة، حيث يعلل معظم من يقع في هذه المصيدة، أنهم يفعلون ذلك ليتمكنوا من اختيار الشريك المناسب لحياتهم المقبلة!!..... وللأسف كثيرا ما تفشل هذه العلاقات، وتكلل بالطلاق إذا ما ارتبط الطرفين ببعضهما
وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن الطرفين يعيشان جميع لحظات الحب والرومانسية قبل بداية حياتهم الزوجية في عالم الخيال... ثم عندما يرتبطا فعلا بالزواج ويهبطا على ارض الواقع ، وينقشع الضباب عن أعينهما لا يستطيعان أن يحققا ما كانا يحلما به، لأنه لم يبنى على قواعد سليمة، بل كان من نسج الخيال.
وقد يعود السبب أيضا في فشل هذه الزيجات إلى إصابة الطرفين بالملل فكل طرف يكون قد بذل كل ما لديه للآخر قبل الزواج، وبالتالي لم يتبقى له ما يعطيه بعد الزواج، وبالتالي سينتهي وقت الرومانسية، لتحل محله المسئولية، فتصبح الحياة مملة بدون معنى لأحد الطرفين أو كلاهما.
وكثيرا من الشباب خاصة في سن المراهقة يقعن في "الحب" من وجهة نظرهم، ولكنهم في الواقع يحبون ويعشقون ما تصوره وتخيلوه هم في عقولهم ونسجه لهم خيالهم في الطرف الآخر، واستسلمت له مشاعرهم، ثم تتعزز لديهم تلك المشاعر والأحاسيس عند سماعهم للأغاني العاطفية، والكلمات الدافئة والعواطف الملتهبة، التي تزيدهم تعلقا بالمحبوب وتقيد عقولهم وإدراكهم فيظنون أنهم أسرى الحب، ويتركون العنان لتلك المشاعر لتقيدهم باسم الحب إلى الابد، ولكنهم سرعان ما يكتشفون أنهم مخطئون عندما يواجهون أي مصاعب للحفاظ على هذا الحب أو يتعرضون لأي مشكلة حقيقية .
فعليك عزيزتي التخلص من نشوة العاطفة المندفعة تجاه هذا الشاب والتي تجعلك تتمنين الارتباط به بأي شكل كان ، دون تحكيم العقل أو المنطق، والتي ستفسد عليك الحكم السليم على شريك حياتك. فمشاعر الحب عندما تسيطر على الإنسان تعمي عينه وعقله عن ابسط الحقائق والعيوب التي قد تظهر للعيان ولكنها تختفي عن عين المحب فلا يرى إلا ما يريد أن يراه هو. ومهما كان مقدار الحب الذي تحملينه له، لا تعتقدي أن ذلك وحده سببا كافيا لنجاح الزواج.
وتأكدي أن الحب القوي المندفع لا يعمر إلا قليلا, لأن مثل هذا الحب يكون مختلطا بشكل كبير بالآمال والأماني، وتبنى قواعده في الخيال. ومن المعروف أن الخيال أجمل من الواقع الذي ستصطدمين فيه عندما تحطين على ارض الواقع وتمر السنين وتتجاوزين فترة المراهقة
فعليك عزيزتي أن تعيدي حساباتك من جديد ، وتهيئ نفسك لتسيري على الطريق الصحيح إذا أردت أن تنعمي بحياتك القادمة
وتأكدي أن سعادتك في الزواج لا تتوقف على ما ترينه أو تتمنيه أو تمارسيه قبل الزواج, ولكن السعادة الحقيقية هي التي تأتي بعد الزواج عند اختيار الزوج المناسب الذي يتوافق معك دينيا وثقافيا واجتماعيا وماديا، وغيره.
وتأكدي أن ما تشعرين به الآن ما هو إلا سيل من العواطف الجيَّاشة التي تصيب الكثير من الفتيات في مثل سنك، ولكنها سرعان ما ستزول أو تتناقص تدريجيا مع الأيام . فأنت الآن تعيشين وهماً اسمه "وهم الحب" وان هذا الوهم سينتهي يوما ما، إما قبل الزواج أو بعد الزواج.
فمعظم اللاتي وقعن في الحب في فترة المراهقة، تمكنَ مع الوقت أن يعشن حياة طبيعية رغم أنهن كن مثلك يعتقدن أن لا حياة لهن بدون الحبيب، ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح فالزمن كفيل بأن يخمد هذه المشاعر، ومع مرور الوقت ستنجلي أمامك الحقائق وستختلف نظرتك للأمور، وستجدين قلبك قد شغل بشيء آخر، فسبحان مقلب القلوب!!
أما إذا تم الزواج كما تريدين، فتأكدي أن الفشل سيكون في الغالب هو مصير زواجك بمن تحبين، لانعدام مقوِّمات الزواج الناجح لديكما، لأنَّه قام أصلاً على أسس غير صحيحة، وسيحوطه الشك في المستقبل.
فالحب بعد الزواج، الذي ينشئ عن علاقة شرعية، أساسها المودة والرحمة والتفاهم والتضحية والتكافؤ، ليس الشهوة والرغبة فقط، والتي يبذل فيها الطرفين ما في وسعهما لإسعاد شريكه، هو من أمتن أنواع الحب وأصلبها وأبقاها، لأنه يقوم على أسس وروابط متينة، ولا تبنى أسسه على الخيال أو الأماني أو الرغبات العابرة، ولكنه ينشئ ويتطور بحسن المعاشرة والود والتفاهم. لذا فهو القادر على مواجهة الحياة الزوجية بما فيها من مسئوليات، وهو الذي يمكنه أن يصمد أمام مصاعب الحياة بشكل عام.
فحذار أن تغرقي نفسك أكثر وأكثر في هذه العلاقة، فينتهي الأمر بك إلى ما لا تحمد عقباه، ولا تعتقدي أن من تحبين هو مثال النزاهة والشرف فمن انتهكت أعراضهن كن مثلك يثقن بمن أحببن ولكن ماذا كانت نهايتهن!!!
احمدي الله على أن دموعك اليوم هي دموع الشوق والرغبة، وهذه الدموع يمكنها أن تجف يوما ما إذا قررت بصدق أن تجففيها، ولكن تخيلي لو كانت هذه دموع الحسرة والندم على هتك عرضك كما يحدث للكثيرات اللاتي يتبعن نفس الطريق الذي تسيرين فيه، كيف سيمكنك حينذاك أن تجففي هذه الدموع !!!
اطلبي من هذا الشاب أن يتقدم لخطبتك بشكل رسمي، لتعرفي صدقه من كذبه، فإذا تقدم لخطبتك، ورفض والدك أن يتمم الخطبة بحجة الدراسة، فيمكنك إقناعه أن الزواج لن يكون في الوقت الحالي، وان هذا الشاب سينتظرك إلى أن تنتهي من دراستك ويكون ذلك على علم اهلك، ليزيد احترامه لك ولأهلك. وان لم يتم الأمر كما تريدين، فابتعدي عنه، وتأكدي أن كل شيء بقضاء الله وقدره، فقد يكون ابتعادك عنه خير لك "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون"
تذكري أنه مهما تكالبت عليك المشاكل أو الهموم فان رحمة الله واسعة. وكلما ضاقت بك الدنيا تذكري أن المؤمن مبتلى، فاتقي الله وتذكري أن "من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" فاصبري على ما أصابك، فان بعد العسر يسرا.
اعزمي على التوبة النصوح، لترضي الله أولا ثم لتكوني في نظر زوج المستقبل امرأة طاهرة عفيفة، يمكنه أن يستأمنها على نفسه وعرضه وشرفه واسمه. وابتعدي عن تكوين أي علاقات غير شرعية، واسألي نفسك دوما قبل أن تكوني أي علاقة، هل لو عرف من يتقدم لخطبتك انك تقيمين أي علاقة غير شرعية مع الشباب، مهما كان غرضك، ومهما كانت لا تتجاوز المكالمات الهاتفية، أتراه سيتجاهل هذا الأمر وسيكمل إجراءات الخطبة ؟؟
عاهدي الله أنك لن تتحدثي معه أو مع غيره مهما واجهت من إغراءات، ومهما تأججت داخلك من نيران ، وتذكري "أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه "
وتأكدي أن الله سيعوضك بإذن الله من هو خير منه، في الوقت المناسب. لأنك تركت من تحبين وترغبين فيه،وتركت هذا الطريق، لترضيه سبحانه.
ابتعدي قدر الإمكان عن مشاهدة الأفلام الرومانسية أو الإباحية أو القنوات الفضائية التي تشعل لديك تلك المشاعر والتي تروج إلى إنشاء العلاقات الغير مشروعة قبل الزواج للحصول على حياة زوجية سعيدة .. فهذه الدعايات ما هي إلا وهم وسراب!!
تجنبي الدخول في غرف الشات والانترنت، وتصفح المواقع الإباحية، والاستماع إلى الأغاني العاطفية المؤثرة.
حاولي أن لا تستمعي إلى تعليقات أو نصائح من هم في مثل عمرك ولا تتأثري بهن، فللصديقات تأثير كبير على بعضهن البعض في هذا الموضوع خاصة عند غياب الرقابة والإشراف من الأهل.. ونصيحتي لك أن تغيري من رفقتك وتختاري الرفقة الصالحة التي يمكنها أن تعينك على نفسك.
تأكدي انه مهما بلغ حجم الحب الذي يسكن القلوب فإن القلوب يقلبها رب العالمين ..
فلا تجعلي ميلك واندفاع عواطفك لذلك الشاب سببا في هدم مستقبلك.
أنصحك ألا تتركي مشاعر العشق والهوى تسيطر على قلبك فتتمادى في الخيال والأمنيات, وتقطعي عنك فرصة إكمال تعليمك ودراستك، ثم تفيقين من غفلتك لتجدي نفسك مكانك لم تتقدمي أي خطوة ايجابية إلى الإمام لتسعدي بمستقبل باهر.
تذكري أن علاقتك بهذا الشاب جعلتك تهملين دراستك وهذا تفريط منك، يدل على عدم قدرتك على تحمل ابسط مسئولياتك، فكيف تريدين أن تتحملي مسئولية الزواج
ولكن لا تعتقدي أن الفرصة قد ضاعت منك ، فيمكنك استدراك الأمر والاهتمام بمستقبلك واستغلال الأيام القادمة في التركيز في دروسك ودراستك.
أنا اعتقد أن الفراغ هو السبب في كل ما أنت فيه من مشاكل والله اعلم، خاصة الفراغ العاطفي، وقد يكون السبب هو ضعف إيمانك، وبـُـعد والديك عنك، وضعف الرقابة المطلوبة، أو وجود أي تفكك في أسرتك، وقد تكونين متعطشة للحب والحنان، وللكلمة الطيبة، والعبارة الرقيقة والمشاعر الدافئة. لذا، عليك أن تملئي هذا الفراغ لديك، وذلك بأن تقوي علاقتك بربك، وتحاولي أن تتذوقي طعم الحب الحقيقي وهو حب الله، الذي لا يماثله حب، فلو تذوقته فعلا لوجدت السعادة الحقيقية في الدارين
فأكثري من العبادة والتقرب إلى الله، وأنصحك بالتوكل عليه سبحانه، والاستغفار والتوبة، والإكثار من الدعاء خاصة "لا حول ولا قوة إلا بالله " و "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك "، وحاولي ملء أوقاتك بما ينفعك في الدنيا والاخرة.
ثقي بالله حق الثقة، وتوكلي عليه ، والتزمي بأوامره، وتأكدي انه سبحانه لن يضيعك أبدا.