السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة أبلغ من العمر 18 عاماً، تقدم لخطبتي ابن عمي عندما كان عمري 16 سنة، وهو يبلغ من العمر الآن 21سنة. أبي لم يخبرني في ذلك الوقت عن خطبتي (ربما لأنه يريدني أن أنتبه لدراستي)، لم أعلم بذلك إلا من أخواته (بنات عمي)، بعد مرور سنة من خطبتي أخبرتني أمي بذلك، والآن أنا مخطوبة ولكن لم يسأل والداي عنه (لأنه ابن عمي وشخص معروف) سمعت أنا شخصيا عنه أنه لم يصلِّ صلاة الجمعة في المسجد، مع العلم أن والدي في ذلك اليوم كان يبيت عندهم وفي نفس اليوم ذهبوا إخوتي معه في سيارته، يقول أخي إنه يقوم بتشغيل الأغاني (مع العلم أنهم في تلك الفترة في رمضان). يقول أخي: نصحته لكن دون جدوى. هو يعيش في منطقة بعيدة مع أهله، بعد مرور سنتين تقريبا بحثت عنه في شبكة الإنترنت فوجدت أن له صفحة في الفيس بوك والدليل صورته، لاحظت أنه يقبل بصداقات من فتيات عندما أفتح صفحاتهن أجدها مخلة، أسأل الله السلامة..
وأنا الآن في حيرة من أمري هل أرفضه أم أقبله؟؟ مع أني أشك أن رأيي لا يهمهم بما أنهم وافقوا على خطبتي منه دون علمي بذلك.. وأنا لدي صفحه في الفيس بوك وابنة عمي صديقة معي في صفحتي! هل أكلمه وأنصحه أم ماذا؟ مع أنه منع أخته من أن تفتح لها صفحة في الفيس بوك وفتحت من دون علمه. وأخشى إنْ كلمته بالفيس أن يحصل شيء لا أريده (أخبرت صديقتي في المدرسة بذلك فقالت ربما يكون ذلك طيشاً منه في تلك المرحلة وأعتقد بأنه سيخف؟!!!) عائلتنا من النوع التي لا تسمح للفتاة بأن تكلم خطيبها. ولا يوجد لدينا نظرة شرعية!! أنا فتاة لا أريد أن تكون حياتي غير مستقره وفي توتر معه. أرجو مساعدتي ولكم جزيل الشكر.
الجواب
كرم الإسلام المرأة ولم يجعلها سلعة تباع وتشترى كما يفعل الآن البعض للأسف، خاصة في بلادنا الإسلامية حيث يصر بعض الآباء على تزويج بناتهم دون مشورتهن، ويرغمون الفتاة على الزواج بقوة من رجل لا تريده ولا تقبله قلبا وقالبا، وقد يكون ذلك بغرض مصالح شخصية أو دنيوية أو لأمور أخرى لا يعلمها إلا الله سبحانه. وقد جعل الإسلام للمرأة الحق في الموافقة على، أو رفض الرجل المتقدم لها للزواج. فمن المعروف شرعا انه ليس للأب حق تزويج ابنته البالغة سواء كانت بكرا أو ثيب ممن لا تريده، واشترط عليه أن يأخذ رأيها فيمن يتقدم إليها للزواج. ولعلم الإسلام بحياء الفتاة العذراء جعل سكوتها دليلا على موافقتها لذا قيل: "السكوت علامة الرضى"، وقد قال صلى الله عليه وسلم "لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر ولا البِكر حتى تُستأذن". قالوا: يا رسول الله؛ وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". ففي حالة رفضها عليها أن تعبر عن رأيها بصريح العبارة وتقول "لا" عندها لا يجوز لوليها أن يجبرها على الزواج إطلاقا إن كان يخاف الله.
فالمطلوب من الأب أو الولي أن يتخيَّر لابنته الرجل الصالح الذي يناسبها ويكون سببا لسعادتها بإذن الله في الدارين الدنيا والآخرة. وعليك أن تتنبهي أخيتي أن سكوتك وعدم رفضك للزواج هو موافقة وصك شرعي تقدمينه لوالدك ويستدل به أنك موافقة على تزويجك بابن عمك.
فعليك أن لا تستسلمي وتقولي أنا رأيي لا يهمهم. فهذا الاعتقاد غير صحيح وغير شرعي فمن حقك شرعا أن تدلي برأيك وتوافقي على زواجك، ومن حقك أيضا الرؤية الشرعية. وقد التمست من سطورك أنك ملتزمة ومن عائلة ملتزمة والله أعلم. فإن كانوا كذلك، عليهم أن يلتزموا بجميع تعاليم الدين ولا يأخذون ما يناسبهم فقط ويتركون مالا يناسبهم وإلا سيكونون كم قال الله فيهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: من الآية85] والعياذ بالله.
أخيتي..
بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء، وأصلحك ووفقك وهداك وثبتك على دينه سبحانه إلى أن تلقيه بإذن الله. فكما يبدو من رسالتك انك تحرصين على الارتباط بالزوج الصالح الملتزم بدينه، وهذه من علامات الهدى والتقى والله اعلم.
ما ذكرته من سلبيات ابن عمك لا يكفي لكي نشجعك على قبول الزواج به أو رفضك له، فان كان لم يصلِّ صلاة جمعة مع أحد إخوتك فلا يعني أنه لا يصليها أبدا. قد تكون ظروفه في ذلك اليوم لا تسمح له بالصلاة، فعليك تتأكدي أنه يصلي جميع فروضه ولو في المنزل، فهذا يدل على أنه يدرك أهمية الصلاة، أما ذهابه للمسجد فهذه قضية أخرى يمكنك بأسلوبك الهين اللين في المستقبل وبعد معرفتك لمفاتيحه وطرق إقناعه خاصة إذا كان متعلقاً بك أن تكوني عوناً له في الالتزام بالصلاة في المسجد. فقد يكون أسلوب أخيك في النصح غير لين أو غير مؤثر أو قد لا يناسبه لذا لم يتقبل منه النصيحة. فالأساليب تختلف وتأثيرها يعتمد على الشخص الناصح والمنصوح، وعلى الوقت المناسب، والجو المحيط، والطريقة المستخدمة والأسلوب الفعال.
أما كونه يسمع الأغاني فأغلب الشباب الآن للأسف يستمعون إلى الأغاني وأنا لا أؤيد ذلك، ولكنه الواقع، فاحمدي الله الذي عافاك من هذا الأمر وادعيه سبحانه أن يثبتك على ذلك. ويمكنك أيضا بالدعاء والإصرار والأسلوب الجيد أن تغيريه بإذن الله مع الأيام، فإن لم تتمكني من تغييره فيمكنك عندها أن تطلبي منه أن يستمع إليها وحده عندما لا يكون معكم لكي لا يشركك معه في الإثم، وكل إنسان كما تعرفين يحاسب على عمله.
أختي الفاضلة..
لا تتسرعي في اتخاذ أي قرار قد تندمين عليه في وقت من الأوقات سواء إيجابي أو سلبي، ولا تغرك المظاهر أبدا، فقد يكون عند والدك نظرة صائبة أو رأي حكيم ويرى ما لا ترينه أنت في ابن عمك، فكما ذكرت أنه رجل معروف وهذا يدل أن لديه أحد المقومات التي تبحث عنها أي فتاه لتعيش حياة هانئة سعيدة، ولكنك تعتقدين أن موافقة والدك على خطبة ابن عمك لك ما هي إلا لقرابته ومكانته المرموقة في المجتمع، وقد يكون ذلك غير صحيح. فعليك أن لا تضعي هذا الاحتمال فقط في خاطرك، وعليك أن تتأكدي يقينا أن والديك يتمنيان لك كل الخير، ويسعيان دوما إلى مصلحتك رغم اختلاف وجهات النظر بينكم، فهذا أمر طبيعي بين الآباء والأبناء، وقد لا تدركين ذلك إلا في المستقبل أو بعد أن يرزقك الله بالأبناء.
ولكن هناك احتمال فعلي أن يكون اختيار والدك لهذا الزوج بسبب الروابط الأسرية، أو مبني على اعتقاده بأنه الشخص المناسب الذي سيسعدك دنيويا وسيوفر لك الحياة المرموقة فقط، ولكنه غفل عن السعادة الحقيقية التي ترتكز على الخلق والدين والمعاملة، فالعامل الاجتماعي والمادي أصبحا للأسف هما المقياس الرئيسي لتقييم الزوج المناسب أو الزواج الناجح. لذا عليك أن تتحاوري مع والديك بهدوء ولا تيأسي أو تتوقفي من المحاولة إذا وجدت ردة فعله عصبية تجاهك. فكون والدك أخفى عنك أمر الخطبة لتنتبهي لدراستك تدل على حرصه عليك وعلى مستقبلك، وهذا من أحد الأسباب التي ستجعله يتفهم الأمر ويتفهم أسبابك للقبول أو الرفض بإذن الله.
عزيزتي..
أنا لا أنكر عليك تخوفك من بعض المعاصي التي ظهرت عليه كإهماله لصلاة الجمعة واستماعه للأغاني في شهر رمضان، وهذه ولا شك أمور قد تكون غير متأصلة فيه وناتجة عن جهل منه لعظم الذنب الذي يقع فيه، أو بسبب الصحبة السيئة، أو المحيط الذي يعيش فيه. وقد يكون على وعي بالخطأ الذي يمارسه وغير راض عنه داخليا، ويحتاج إلى من يعينه على تركه، فتكونين أنت خير عون له، وربما يكون اختياره لك كفتاة ملتزمة متدينة هو اكبر دليل على ذلك والله اعلم.
فعليك أن تتأكدي من معدنه الداخلي وأن تتعرفي عليه وعلى طريقة تفكيره وأفكاره ومعتقداته ومواقفه منذ طفولته إلى شبابه عن طريق أخته، وعليك أن تتأكدي أنه لا يقوم أو يمارس أفعالاً أو سلوكيات تخل بدينه أو شرفه، فهذا التاريخ سيجعلك قادرة على تكوين صورة حقيقية لابن عمك، ومهما اختلف الآن أو تغير سواء سلبا أو إيجابا يمكنه أن يعود إلى سابق عهده في المستقبل.
وقد ذكرت في رسالتك أنه لم يسمح لأخته أن تفتح لها حساباً في الفيس بوك، وهذا يدل والله أعلم على أنه إنسان ذو غيرة ومبادئ، أو أنه إنسان عاقل يعلم يقينا قدر المشاكل التي قد تقع فيها الفتاه التي تستخدم هذه الوسائل للتواصل مع الآخرين. وقد تعتقدين أنه معقد ولكني لا أعتقد ذلك فقد ذكرت أنه يقبل بصداقات الفتيات ولا بد أنه وجد في هذا السبيل العجب العجاب، وأدرك خطر هذا الأمر على الفتيات خاصة، لذا لم يسمح لأخته أن تسلك هذا الطريق لكي لا تقع في هذا الفخ وتصبح كمن يتواصل معهن.
عليك أيضا أن تدرسي كل من شخصيته وشخصيتك لتقيمي مقدار التوافق الفكري والنفسي بينكما، ولتعرفي أن كان يمكنك التأقلم معه بشخصيته الحالية قبل التغيير فأنت لا تضمنين التغيير دائما. كما عليك أن تسألي نفسك سؤالا هاما، وتكوني صادقة في الإجابة عليه "هل يمكنك أن تكوني مؤثرة على ابن عمك بعد زواجك به؟". فإن كانت الإجابة "نعم"، ورأيت في نفسك بعض الميل وعدم النفور منه فيمكنك أن تتقبلي الأمر الواقع وتقدمي على الزواج بعد الاستخارة والدعاء، ثم تحاولي إصلاحه قدر المستطاع. أما إذا كنت تشعرين بالكره أو النفور فلا تقبلي على هذا الزواج وارفضي تماما.
تحدثي مع إخوتك الذكور بصراحة عن رأيك، وخذي مشورتهم وكوني محايدة فهم يعرفونه ويعرفونك. اسأليهم عن رأيهم فيه وفي شخصيته وأسلوبه وعن مواقفه وطريقة معاملته مع أهله ومع الآخرين عندما كانوا يبيتون عنده، وهل لديه أمراض أو عقد نفسية أم لا. واستعيني بمن تثقين بهم من أقرباءك أو صديقاتك لمساعدتك في السؤال عنه وعن سلوكياته. فإن تأكدت من إفراطه وتفريطه، فحذار من ظلمك لنفسك أو ظلمك لابن عمك معك، وانتبهي أن تورطي نفسك معه، وذكري إخوتك بالله وحقوق الله، ومسئوليتهم أمام الله في الحفاظ عليك وعلى دينك خاصة أنهم ملتزمون، وذكريهم بأنهم سيكونون هم المسؤولون عند الله إن أرغموك على الزواج وكانوا سببا في أن تبيعي دينك من أجل دنيا فانية، أو ترتبطي بمن سيضيع لك دينك والعياذ بالله.
تشاوري أيضا مع أقربائك العقلاء الصالحين والصالحات ذوي النيات الصادقة من جهة والدتك الذين تثقين بهم وبرأيهم خاصة الذين يمكنهم التأثير على والديك في اتخاذ القرارات عن أمركما، ليساعدوك على اتخاذ القرار الصحيح، ويتدخلوا في موضوع زواجكما إذا لزم الأمر.
عليك أن تطالبي اهلك أن يتيحوا لك فرصة الحوار معه ولو لمرة واحدة فقط لتتمكني من معرفته جيدا، ولتتمكني من تغيير صورته في ذهنك وتأطيرها في الإطار الصحيح. ويمكنك أن توافقي على خطبتك به مبدئيا شرط أن تتواصلي معه في إطار مقنن عبر الجوال أو الفيس بوك لمعرفة شخصيته وقدر ملاءمتها مع شخصيتك، شرط أن تكوني محايدة في الحكم واتخاذ القرار وعدم تصيد أخطائه وسيئاته. وتذكري أن لكل شخص حسناته وسيئاته، محاسنه وعيوبه فعليك أن تتعرفي على إيجابياته وسلبياته وتقارني بين مواطن ضعفه وقوته لتتمكني من اتخاذ القرار المناسب.
فإذا لم يوافقوا على إعطائك هذه الفرصة، حاولي إرسال رسالة شفهية لابن عمك مع أخته التي تعتبرينها صديقتك، وانتبهي أن تسيئي إلى ابن عمك أو إلى أهله بأي شكل كان. اطلبي من أخته أن تتحدث مع أخيها في موضوع زواجكما وتخبره عن رأيها بك، وتخبره بأنك سألتيها عن التزامه ودينه وأنك تريدين الارتباط بشخص يحافظ على الصلاة ولا يسمع الأغاني حتى لو اضطرت أن تخبره بأنك فتاة معقدة على حد تعبير الجاهلين أو ملتزمة جدا، وبحيث يكون مضمون رسالتها له أنها لا تعتقد أنك الفتاة المناسبة له التي يمكنها أن تسعده في حياته المستقبلية، واختبري ردة فعله، ثم اتركي له هو أيضا حرية الاختيار في إكمال الخطبة أو الانسحاب، فإن أصر على إكمال الخطبة قد يكون هذا دليلا على نقاء معدنه ورغبته فيمن تشد من أزره وتعينه على دينه ودنياه وتكوني أنت هذا السند والمعين.
حاولي أن تشركي والدتك أو إخوتك في مشاعرك وأحاسيسك وخواطرك خاصة المقربين لك. وعليك أن تعرفي الأساليب التي يمكنك من خلالها التأثير على والديك والاستماع لرأيك ولحجتك. وحذار من أن تقفي موقف الضد أو المعاند واجعلي الله دوما عونا لك وسندا.
فإن لم تتمكني من إقناعهم، استعيني بعد الله بإحدى المقربين إلى والدك وإحدى المقربات إلى والدتك بالأمر، واطلبي منهما إقناع والديك، فلو اقتنع احدهما سيؤثر لا محالة على الأخر.
أخيتي..
عليك أن تراجعي نفسك وتتأكدي أنك لا تعصين الله في أي أمر، وأنك لم تظلمي أحداً أو تغتابي أحداً، فقد يكون ما أنت فيه ابتلاء لك منه سبحانه لتخفيف ذنوبك ولتنبيهك. فإن وجدت سببا ما فأعلني التوبة الصادقة لله وتوجهي إليه سبحانه بالاستغفار. ثم اتقي الله وأحسني الظن به فالأخذ بهذا السبب كفيل بحد ذاته بأن يحل مشكلتك ويدلك على اتخاذ القرار السليم. وتذكري أن الله سبحانه قد قال في كتابه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}.
عليك بصلاة الاستخارة يوميا والصلاة والدعاء في الثلث الأخير من الليل، فالله سبحانه وتعالى هو وحده من يعلم الصالح لك، وهو وحده من يعلم الغيب وسيدلك سبحانه على الطريق الصحيح والقرار السليم. وسييسر لك أمرك.
عليك أن توكلي أمرك لله سبحانه وتعالى وتتجهي إليه بالدعاء الصادق وتحري أوقات الإجابة. وادعيه سبحانه أن يصرفه عنك إن لم يكن خيرا لك.
تأكدي أن ما قدره الله لك سيكون، مهما بذلت الأسباب أو تدخلت جميع قوى البشر؛ فتوكلي على الله حق التوكل، وأكثري من استغفاره، وعلقي قلبك به، واعلمي أنه على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء وسيهديك إلى ما فيه خير لك وصلاح لدينك ودنياك.
أسأل الله العلي القدير أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.