الاحتلال الآخر للعراق (2)
11 ذو الحجه 1429
سارة علي







بعد أن تطرقنا في الجزء الأول إلى سيطرة العناصر الإيرانية على مواقع حساسة وهامة في حكومة عراق اليوم والتي لم يعد خافيا على أحد أن القرار في تلك الحكومة قد صار واضحا للعيان بأنه موافق للمصالح الأمريكية والإيرانية، وهما الحليفان على احتلال العراق وتجزئته، وأن ما يظهر في الإعلام من تصادم المصالح بينهما لا يعدو أن يكون لعبة سياسية للتغطية عما يحدث في العراق وما سيحدث مستقبلا في دول الخليج والمنطقة العربية.

ولقد صار واضحا مقدار الحقد الذي تكنه إيران للعراق، وكيف أنها كانت تتحين الفرص بل وتخطط لها لأجل الاستحواذ على العراق من خلال أحجار الشطرنج التي تمسكها وتحركها كيفما شاءت في أرض العراق ممثلة بالائتلاف الموحد والتيار الصدري وحزب الفضيلة , فما إن احتل العراق حتى بدأت غربان الخراب والمخطط الإيراني تتحرك بسرعة وهمجية، مستغلة بذلك جهل أتباعهم من أصحاب المذهب الشيعي، بحجة إنهم الفئة المظلومة في العراق متناسين أو متجاهلين أن صدام كان عادلا في توزيع ظلمه على العراقيين؛ فلم يسلم أحد من ظلمه، ولو رجعنا إلى أعضاء قيادته وحزبه لوجدنا أن الغالبية منهم كانوا من المذهب الشيعي، مستندين في ذلك إلى مبدأ التقية (وهو إظهار خلاف ما يخفى وصولا لتحقيق أهدافهم) وبعد احتلال العراق تسربت وثائق سرية عن كيفية سيطرة الائتلاف العراقي (بحجة أنهم شيعة آل البيت المظلومين)، واستغلوا بذلك سذاجة وجهل البعض من شيعة العراق، وشرعوا  بتمرير وتنفيذ المخطط الإيراني الفارسي من نشر وإذاعة مواكب اللطم وبأصوات عالية من خلال المكبرات وحتى في سيارات ووسائط النقل داخل العاصمة بغداد وفي بقية المحافظات، ومنها أيضا إنشاء حسينة قرب أي جامع للسنة وخلال فترة قصيرة انتشرت الكثير من الحسينيات داخل بغداد وغيرها من المحافظات وكذلك لصق صور قياداتهم المتمثلة بالسستاني والحكيم والصدر في كل مكان وفي الأسواق مع صدور الفتاوى من قبل المرجعية باستباحة الأموال العامة وأنها حق لهم.

 وما هي إلا ساعات من بدء احتلال بغداد من خلال المحتل الأمريكي حتى لوحظت سرقة المال العام، ويذكر جيدا من كان ببغداد وغيرها من المدن العراقية حينها كيف أن الشاحنات بدأت تتوجه بكل الأموال والمعدات وبما تم تفريغه من المعسكرات وممتلكات كثيرة من أموال العراق إلى إيران(نقلاً وتهريباً)  حتى السيارات الحكومية جرى تهريبها سواء المستعمل منها.

أيضا صدرت الفتاوى الخطيرة بأن مال العامة (وهذا مصطلح يطلقونه على كل سني في العراق أي انه من العوام وهم الخواص) وكل ممتلكاتهم ومحرماتهم وإعراضهم هي ملك للخواص أي أتباع آل البيت (وآل البيت براء منهم ومن أعمالهم)، وتم قتل كل شخص اسمه عمر أو عثمان أو أبو بكر، وما هي إلا أشهر حتى استشهد الكثير من أبناء سنة العراق من يحملون اسم عمر ولقد كنا نسمع في سنوات خلت من قبل البعض من الشيعة في العراق وكنا نعتقد أنهم يمزحون, كانوا يقولون لو صار لنا حكم البلاد ساعة واحدة فقط لوضعنا على كل عامود كهرباء عمر (أي يشنقون كل من يحمل اسم عمر ويعلقونه على عامود الكهرباء) وحدث ذلك بالفعل.

 ولم تكن إلا أشهر حتى قتلوا الكثير الكثير وتفننوا في وسائل التعذيب والوحشية التي يشرف عليها اطلاعات وهي المخابرات الإيرانية في العراق .

شيعة العراق في البداية اندفعوا مع التيار ولكن بعد سنوات ظهر لهم أن الاحتلال الإيراني لم يكن فقط للنيل من سنة العراق بل نال الشيعة العرب في العراق، وبدرجة لم تقل عما لحق من أذى بسنة العراق وتحولت مدن الجنوب وخيراتها إلى لقمة سائغة للإيرانيين وصاروا يسيطرون على مفاصل الحياة في تلك المدن.

وبعد أن قاموا بتصفية سنة الجنوب رجعوا إلى تصفية البعض من شيعته ممن يقف ضد المصالح الإيرانية في تلك المناطق حتى غدا جنوب العراق وفي الكثير من محافظاته يتعامل بالتومان الإيراني (وهي العملة الإيرانية) بدلا من الدينار العراقي وصار العلم الإيراني مرفوعا على الدوائر والمؤسسات الحكومية في مدينة البصرة.

وكلما أراد أبناء البصرة وعشائرها التمرد على هذا الوضع ورفضه يقوم الإيرانيون بإظهار قوتهم والقيام باستعراض عسكري لقوتهم الموجودة في البصرة وأمام مبنى المحافظة، وزاد الأمر سوءاً بسرقة نفط البصرة تحت علم ومسمع ومرأى  من حكومة المالكي والحكومات التي سبقتها، هذا ما أكده الناشط السياسي العراقي إسماعيل الوائلي شقيق محافظ البصرة بأن إيران تقوم بسرقة النفط العراقي من حقلي الطيب والفكه وأجزاء من حقل مجنون، حيث إيران تعتقد أنها بسيطرتها على البصرة تستطيع أن تمسك الخليج العربي من رقبته، وحيث يشير إلى أن صور المراجع الإيرانيين أصبحت تملأ البصرة بينما لا توجد صورة لمرجع عربي واحد, وكان الوائلي قد سبق وأن اتهم وزير النفط العراقي (الإيراني الأصل) حسين الشهرستاني بالتنسيق مع إيران على تهريب نفط العراق لإيران, بينما نفى وزير النفط وجود سرقة للنفط ثم بعد ذلك بعشرة أيام خرج ليؤكد وجود سرقة للنفط من جانب إيران ثم عاد ونفى وجود سرقة للنفط منذ احتلال العراق.. هذا التخبط أثار استغراب الكثيرين وبعد ذلك تبين أن محمد رضا السيستاني نجل آية الله السيستاني هو الذي ضغط على وزير النفط العراقي للتصريح بذلك علما بأن محمد رضا السيستاني هو الذي يشرف على وزارة النفط حسب نظام المحاصصة القائم في العراق.

ويذكر أن العشائر الشيعية العربية في البصرة ترفض الوجود الإيراني بل وتقاومه، لذلك تشكل توجه يمثل هذا الاتجاه من شيعة العراق العرب برئاسة الشيخ كاظم العنزي ومعه الكثير من رؤساء العشائر في البصرة والجنوب الذين يرفضون الهيمنة الإيرانية على محافظات العراق الجنوبية بل ويقاومونها بالمقاومة المسلحة, ويؤكد الكاتب الأمريكي روبرت درايفوس بأن"الكثيرين من الشيعة العراقيين يكرهون المجلس الأعلى ويعدون المنتمين إليه خونة" ويشدد درايفوس على أن العنصر الأكثر قوة في النظام، المجلس الإسلامي العراقي الأعلى وميليشياته المنضبطة بدر، هو أيضا الجهة العراقية الحليفة الوثيقة لإيران .

ما يحزننا كثيرا هو استخدام المساجد وغيرها كمخازن للأسلحة التي جاء معظمها من إيران بتدخل سافر في الشؤون العراقية، ومن المؤسف أن التدخل لم يقتصر على الاغتيالات للمناوئين لهذه التدخلات وتصفية العلماء والطيارين والصحفيين وكبار قادة الجيش وأساتذة الجامعات, علاوة على تغذية الميليشيات المسعورة وإشعال الفتنة الطائفية وإضعاف العراق وسرقة ثروته وآثاره وترويج المخدرات والدعارة بتشجيع زواج المتعة من الإيرانيات وما نجم عنه من انتشار مرض الايدز فقط، بل امتد إلى الجانب الإعلامي، حيث توجد في العراق 17 فضائية يغذيها النظام الإيراني، ومعظمها مرتبط بالأحزاب السياسية ذات الولاء لإيران، ومنها القناة العراقية وهي القناة الرسمية (الناطقة باسم إيران في العراق) ويديرها فيلق القدس وهي من أبرز الأفاعي المروجة لسموم الطائفية في العراق، وقناة المسار، وقناة الفيحاء، والفرات، والأنوار، والكوثر، وبلادي, ومن المعروف أن أية قناة تخرج عن التوجه الإيراني أو تنحاز إلى الصف الوطني يكون مصيرها الغلق وملاحقة واغتيال العاملين فيها من خلال الميليشيات المرتبطة بإيران.

أما الوضع في محافظتي النجف وكربلاء فهو الأسوأ من حيث السيطرة الإيرانية الواضحة على مفاصل الحياة هناك وعلى المراقد الدينية وعلى الممتلكات والمقدرات الاقتصادية في هاتين المحافظتين، واللتين أغرقتا بالبضائع والصناعات الإيرانية أيضا والتي أثرت بشكل كبير ومباشر على عمل الحرفيين من أبناء هاتين المحافظتين، إذ إن المنتج الإيراني يدخل للأسواق دون ضرائب فصار يطغى على المنتج المحلي مما أثر كثيراً على المصانع والمعامل وإنتاجها في تلك المحافظات الجنوبية وحتى بغداد .

اليوم في محافظة النجف يجوب زوار إيرانيون الشوارع ويتحدثون إلى أصحاب المتاجر بالفارسية ويدفعون بالعملة الإيرانية وتنبعث أناشيد دينية فارسية من مكبرات الصوت.

ويتمثل النفوذ الإيراني في المدينة في عدة صور مثل الزى الموحد لجامعي القمامة وعليه كتابة فارسية كذلك شاحنات القمامة المتألقة الجديدة التي تبرعت بها إيران، ويعمل عمال بناء إيرانيون في موقع مستشفى جديد يقام برعاية إيرانية، وتستغل التبرعات الإيرانية في سداد تكلفة تجديد مزارات شيعية مقدسة كما قدمت إيران الأموال والخبرات لزيادة سعة الطاقة الكهربائية في جنوب العراق وغالبية سكانه هم من الشيعة.

وفي كل عام يزور مئات الآلاف من الزوار الإيرانيين الشيعة المرقد المزعوم للخليفة الرابع علي رضي الله عنه بالنجف

ويهون مسئولو النجف الذين سيترشحون ليعاد انتخابهم في الانتخابات المحلية المنتظر إجراؤها أوائل العام القادم من شأن النفوذ الإيراني، حيث يتساءل محافظ النجف أسعد أبو كلل في مقابلة أجريت معه مؤخرا إن كان هناك أعضاء مجالس محلية إيرانيين أو شرطة إيرانية في المحافظة،

لكن سكانا عاديين قالوا إن النفوذ الإيراني موجود وهم لا يمانعون بالضرورة, حتى إن الكثير من الزوار الإيرانيين يقول كأنما نحن في قم وليس في النجف أو كربلاء لأن العملة إيرانية والكلام إيراني وأغلب الموجدين في هاتين المحافظتين هم من الإيرانيين، بل إن إنشاء مطار النجف سهل الكثير من عملية تنقل الإيرانيين بين النجف وإيران وأضاف بذلك سيطرة كبيرة على جوانب أخرى من جوانب الحياة هناك.

وبذلك تكون إيران قد أحكمت سيطرتها على العراق، وتمكنت من فرض هيمنتها على ثرواته وقواته وقطعت شوطاً كبيراً في السيطرة على ثقافته..