أنت هنا

محور باكستان ـ أفغانستان الطالباني.. والصعود المتدرج
11 ذو الحجه 1429




ما لفتنا خلال اليومين الماضين هو صدور تقرير عن مؤسسة بحثية تدعى "المجلس الدولي للأمن والتنمية" يؤكد أنه بات لحركة "طالبان الآن وجود دائم في 72 في المائة من أراضي أفغانستان"، مقارنة بما بلغ 54 في المائة العام الماضي، حيث يبين التقرير أن "الوجود الدائم" يشمل مناطق كثيرة من البلاد تشن فيها حركة "طالبان" عادة عددا كبيرا من الهجمات في الربيع والصيف، قبل تراجع القتال خلال شهور الشتاء.

ما يلفت أكثر التطور الكبير الذي شهدته عمليات شل الدعم اللوجيستي لقوات الاحتلال الغربي في أفغانستان انطلاقاً من العمق الباكستاني، الذي قد أضحى البعد الاستراتيجي القوي لمقاتلي طالبان الذين ينطلقون من عقيدة دينية معززة بدعم قبلي هائل يمتد إلى الجانبين من الحدود الأفغانية/الباكستانية.

عشرات الآلاف من قوات الاحتلال التي تقودها قوات أمريكية تبلغ نحو 33 ألف جندي لم تتمكن لحد الآن من لجم الطموح المتنامي لدى حركة طالبان للعودة إلى حكم أفغانستان بعد أن تتمكن من دحر القوات الغربية التي غزت البلاد منذ سبع سنوات ونيف.. ما يحدث هو العكس تماماً؛ فالحركة تتمدد في كل اتجاه حتى غدت العاصمة الأفغانية كابول مهددة بسيطرة الحركة عليها في الربيع القادم إثر انتشار تقارير إعلامية تنقل عن مصادر في جيش الاحتلال الأمريكي في أفغانستان قولها إنه سيتم نشر معظم القوات الإضافية التي سترسل إلى أفغانستان مطلع العام المقبل حول العاصمة كابول، خشية سقوطها في يد المقاومة الأفغانية.

الملا عمر من جهته قد وعد بأن المقاومة ستتصاعد، هدد بمزيد من الخسائر للغزاة فـ"على قوات حلف شمال الأطلسي أن تستعد للرحيل من أفغانستان"، كما و"أن خطط الاحتلال الأمريكي بتعزيز قواته في أفغانستان سوف تؤدى إلى المزيد من الاشتباكات وزيادة الخسائر بين صفوف قوات الاحتلال الغربية" على حد قوله.

لكن الأخطر، هو ما حدث الاثنين عندما كشفت الشرطة الباكستانية عن مجاهدي  حركة طالبان قد أحرقوا نحو 100 شاحنة تابعة لحلف شمال الأطلسي في شمال غرب باكستان بينها 50 شاحنة تستخدم لنقل المؤن إلى القوات الأجنبية في أفغانستان.

ما بين 200 مقاتل من طالبان الباكستانية قد أضرموا النار في الشاحنات بعدما أرغموا السائقين على مغادرتها من دون أن يمسوهم بسوء، فيما وصف من قبل الشرطة المحلية بأنه "هجوم جريء ومباغت أعد بشكل جيد جدا".، ثم عادوا فهاجموا مركزاً للحاويات على بعد كيلو مترين فقط من الهجوم الأول، بعد أن تمكنوا ـ أو زملاء لهم ـ من إحراق عشرة شاحنات قبل ذلك بأيام تحمل هي الأخرى إمداداً نفطياً للغزاة.

هذا التناصر ما بين حركة طالبان أفغانستان وسميتها الباكستانية، وكلتاهما من عرقية الباشتون كثيفة العدد، يوحي بأن تنسيقاً كبيراً يتم بغية خلخلة قوى الاحتلال بعد أيام فقط من تصريحات الرئيس الأمريكية المنتخب باراك أوباما، بأنه سيعزز قواته في أفغانستان بغية إيقاف التدهور الحاصل لقواته هناك.

لكن، هل ستنجح مساعي أوباما في كبح جماح الجواد الباشتوني؟ ربما، ولكن الشواهد لا تفي لأوباما بما يتمناه؛ فقواته هناك منهكة تماماً وخياراتها ليست كثيرة، بعدما تسببت قوات الاحتلال الأمريكية برعونتها على مدى الأعوام الماضية في تحريك المشاعر الدينية والقومية والوطنية باتجاه الحركة التي أفلحت إلى حد كبير في تجيير الشعب الباشتوني لصالحها، لاسيما بعد أن نأت بذاتها عن الممارسات التي تحرص عليها بعض الحركات المسلحة الأخرى التي لا تمارس "جهاداً نظيفاً".