ترويج لـ"السلام"... فهل من مجيب؟!
28 ذو القعدة 1429
د أسامة عثمان










فيما تصدر التصريحات عن توفر فرصة سانحة للتوصل إلى "سلام" بين العرب و"إسرائيل" , تنشط السلطة الفلسطينية, ومِن ورائها العرب في الترويج للمبادرة العربية التي حظيت أيضا بالموافقة عليها من الدول الإسلامية،إذ تبناها وزراء خارجية تلك الدول في اجتماعهم في طهران في أيار 2003م.

 

 ويحدث ذلك الترويج عبر صحف "إسرائيلية" في محاولة للتأثير على الرأي العام, وإقناعه بتأييد المبادرة ؛ لاختيار القيادة السياسية التي قد تبدو الأقرب إلى التعاطي معها, بوجه عام.علما أن القيادة الحالية المكونة من حزب كاديما لا تبدي موافقة على تلك المبادرة كما هي, وهي على أية حال في آخر أيامها, وتخبر استطلاعات الرأي عن فرص أكبر لزعيم الليكود نتنياهو الأكثر تشددا, ويمينية في الفوز في الانتخابات المقبلة.

 

يقال بأن ثمة توجها "إسرائيليا" نحو التعاطي مع المبادرة العربية للسلام, فقد " بدأت القيادات اليهودية الأمريكية وبدأ "الإسرائيليون"، شعباً وحكومة، بالتمعن بها والتفكير الجدي بقبولها لما تتضمنه من معادلة واضحة للسلام والتعايش والاعتراف ب"إسرائيل" مقابل إنهائها الاحتلال". وثمة إقرار بضرورة تقديم " تنازلات" تطال مناطق من القدس, فقد صرح بيلين الوزير "الإسرائيلي" السابق لصحيفة العرب اللندنية بالقول:" موضوع القدس يبدو صعبا, ولكن هناك اتفاقا على تبعية الأحياء العربية للسيادة الفلسطينية والأحياء اليهودية للسيادة الإسرائيلية. وقد زعم اتفاق الطرفين على إنهاء الاحتلال والانسحاب لحدود الرابع من يونيو 1967م مع تعديل بعض الحدود.

 

وليس هذا التوجه ببعيد عن الدعم العربي, ولا تنفرد السلطة به, فقد صرحت أميرة أورون الناطقة باسم وزارة الخارجية "الإسرائيلية" أن الجامعة العربية هي المسؤولة عن النشر, وقالت:" هذه ليست السلطة, إنما الجامعة العربية هي التي نشرت" وقالت:" إن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن أن تقبل المبادرة كما هي" .

 

ويدور حديث عن توجه جدي من الرئيس الأمريكي العتيد أوباما لحل الصراع العربي "الإسرائيلي" الذي يرى الكثيرون, ومنهم الأوروبيون أن بقاءه دون حل يهدد استقرار المنطقة والمصالح الغربية, وقد كانت لجنة بيكر هاملتون أوصت من قبل بمثل ما أكده الأوروبيون.

 

هذا العرض الذي يغرى ذاك الكيان بقبوله, ويتمنع, يصعب على المرء أن يتصور سببا يدعوهم إلى رفضه, حتى إن أوباما- فيما ذكرت التايمز- كان قد قال, خلال زيارته لمنطقة الشرق الأوسط في يوليو/ تموز الماضي, :" إنه سيكون " جنونا" بالنسبة ل"إسرائيل" أن ترفض صفقة يمكن أن " تعطيهم السلام مع العالم العربي".

ومع ذلك تحتاج السلطة إلى نشر إعلانات مدفوعة الأجر؛ لعل الشعب "الإسرائيلي" يقبل بها, ثم يأتي الرفض والاستخفاف من السياسيين, قبل الشعب, فقد طالبت وزيرة خارجية الكيان العرب " بعدم الاكتفاء بطرح خطة السلام, وانتظار قبول "إسرائيل" لها, أو رفضها, وإنما- بحسب قولها- على العالم العربي أن يخطو خطوة إيجابية تجاه "إسرائيل".

 

فلا نحتاج إلى طويل كلام للسائرين وراء "السلام"  لتجلية تلك العقلية "الإسرائيلية", على المستويين الرسمي والشعبي التي تزداد صلفا كلما عرض عليها المزيد من التنازل؛ فتطلب المزيد منه, دون أن تتذكر ما هي متورطة فيه من الاحتلال, والاستنزاف, والتهويد, والإمعان في مخططاتها الاستيطانية!!!

 

ولكن من الناحية التحليلية قد نلمس فارقا بين المستوى الرسمي الذي بات يتسرب إليه, ويتسرب منه أنه قد لا يكون مفر من تقديم" تنازلات" والرضوخ لمتطلبات "السلام" وحتى هذا, لا يستغني, حتى يترجم واقعا, عن ضغوط دولية جدية, وأمريكية منها, على وجه الخصوص.

ويمكن للمتابع أن يلحظ انصياعا, أو تماشيا إلى حد ما, من القادة "الإسرائيليين" مع الضغوط والإكراهات التي يمليها الواقع السياسي, والتحولات الدولية والإقليمية, وقبل ذلك مع طبيعة القضية الفلسطينية وحساسيتها في التأثير على المزاج العام للمنطقة كلها. بدأت مؤشرات ذلك منذ اتفاقات أوسلو، وقد تنامت قناعة بأن التسوية الوحيدة الممكنة للصراع هي بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل». ثم اضطر بنيامين نتنياهو إلى خوض الانتخابات في سنة 1996 على أساس الالتزام بتطبيق اتفاقيات أوسلو, وأبرم اتفاق حول الخليل. حتى شارون بادر إلى الانسحاب من قطاع غزة, وأزال المستوطنات هناك، مع عدم إغفال دور المقاومة في غزة التي أنهكت الجيش المحتل,وسببت كابوسا لقادته, تلك تغيرات في الموقف، توجت مؤخرا بتصريحات إيهود أولمرت بضرورة الانسحاب من الضفة الغربية...

 ومع ذلك يبقى التحدي الحقيقي أمام أولئك السياسيين, إذا هم قرروا الانخراط الفعلي في تلك العملية, وتقديم استحقاقاتها: رجال الدين, وجنرالات الحرب, والقوى الحزبية اليمينية, والشعب المائل نحوها, ما قد يولد موقفا , منددا, أو محرضا, أو مخوِّنا, أو مسقطا, أو مغتالا. وقد كان رابين رئيس الوزراء الأسبق على وشك إنجاز حقائق على الأرض, حين اغتاله أحد المتطرفين من المتدينين اليهود عام 1999م.

وعلى الجانب الآخر صعوبات لا تقل قوة عن تلك؛ ففي أوساط الفلسطينيين رفض عقدي, وصُلب, للتفريط بالقدس, أو بحق العودة..., وهي قضايا لا يصح الاستهانة بها, أو  القفز عنها؛ فضلا عن الموقف السياسي الحرج الذي تشغله السلطة الفلسطينية في ظل انحسار وجودها في الضفة الغربية المحتلة, وهشاشة الدعم الشعبي, وحتى التنظيمي الذي يكتنفها, وستزداد أوضاعها انكشافا, وضعفا, إذا استمر رئيسها بعد انقضاء فترته بتاريخ 9 يناير القادم...

ومهما يكن, فلا ينبغي أن يعزب عن الأذهان أن هذا الكيان باطل من أساسه, وهو يدرك ذلك, ويعيه, على نحو متزايد؛ فلا يستحيل عليه أن يقبل, بتسوية ما؛ إذا لمس خطرا جديا, أو استشعر تغيرا مرتقبا في الموقف الدولي والحالة العامة للأمة الإسلامية؛ فلا مجال للمساومة معه على أرض الإسراء والمعراج التي باركها الله وما حولها, والخشية أن يُخضع المفاوضون فعليا قضية فلسطين لحسابات وقتية غير منصفة, واستثنائية! تفضي إلى التفريط بحقوق لا يملكون تخويلا بالتفريط فيها, مانحين تلك الغدة السرطانية فرصة للتوسع في جسد الأمة, وعواصم العرب.