أنت هنا

طوق النجاة الأخير للمارينز الفلسطيني
26 ذو القعدة 1429







فيما لم يزل الناس يترقبون ما الذي سيجريه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رضا من قرارات من أجل التمديد له في الحكم لمدة ثانية يتعذر حقيقة الحصول عليها عبر صندوق الانتخاب المباشر، فاجأ "المجلس المركزي الفلسطيني" الذي انعقد في رام الله بالضفة الغربية المحتلة مساء الأحد بقراره تنصيب محمود عباس، "رئيسا لدولة فلسطين" بأغلبية الأعضاء، وقال رئيس المجلس سليم الزعنون: "أعلن باسم المجلس المركزي أن المجلس المركزي الفلسطيني قرر انتخاب الرئيس محمود عباس رئيسا لدولة فلسطين، ويمارس عمله اعتبارا من هذا اليوم" (وهو بالمناسبة منصب جديد خلاف رئاسة السلطة الفلسطينية).

وقبلها جاء التهديد الرئاسي بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة إذا أخفق الحوار الفلسطيني الذي أفشلت السلطة برئاسة أبو مازن كل مساعيه بإصرارها على استمرار حالة الاضطهاد المنظمة لعناصر المقاومة الفلسطينية من حركة حماس في الضفة الغربية، والحؤول دون إنجاح أي محاولة لالتقاء الشرعية الفلسطينية ممثلة بالحكومة الفلسطينية المنتخبة مع السلطة التي أفرزت معالجتها المتعجرفة للخلاف بين مجموعة دايتون في حركة فتح وحركة حماس في شق الصف الفلسطيني وإحداث الازدواج السلطوي ما بين الضفة وغزة بعدما أوشكت عناصر من السلطة الفلسطينية على إحداث انقلاب في غزة على حكومة إسماعيل هنية سرعان ما تفطنت له كتائب القسام فأحبطته.

السيناريو جديد هذه المرة، وهو يستند إلى محاولة إنقاذ محمود عباس من ورطة انتهاء فترته الرئاسية دون أن تكون مناطق السلطة قادرة على إفراز انتخابات رئاسية جديدة بسبب تعنت المارينز الفلسطيني ووضعهم العربة أمام حصان التسوية الداخلية الفلسطينية، ويتلخص هذا السيناريو في إحراج حماس وحشرها في زاوية رفض الديمقراطية كحل للأزمة، بدلاً من تفسير بقاء محمود عباس رضا في منصب رئيس السلطة بعد انتهاء ولايته بعد شهرين من الآن.

لماذا إذن يبقى محمود عباس في منصبه بعدها؟ لأن غزة ليست واقعة تحت تصرف السلطة. وهذا ما يجعل عباس يبرر بقائه، غير أن لدى حماس تفسير قوي لذلك، إذ إن تعذر إجراء انتخابات رئاسية لا يلغي شرعية وجود النواب والحكومة المنتخبة، وعلى المجلس التشريعي التعامل مع الموقف وفق ما ينص عليه الدستور الفلسطيني، وهو تولي رئيس المجلس منصب رئاسة السلطة بشكل مؤقت لحين إجراء الحكومة المنتخبة (حماس) للانتخابات، وفي حال خلو منصب رئيس المجلس التشريعي د.عزيز الدويك فإن د.أحمد بحر نائبه يحل محله ويترأس السلطة الفلسطينية لحين إجراء انتخابات، وعلى كل حال سواء أتم التمديد لعباس أم حل بحر محله فلا حاجة لإجراء انتخابات تشريعية قانونياً.

وقد كان منطقياً في الحقيقة أن يحاول عباس ـ الذي لوح مراراً وتكراراً برغبته في الاستقالة إن لم تنفذ "إسرائيل" تعهداتها، ولم تنفذ ولم يفعل ـ أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل بقاءه، وكان طبيعياً أن "تتفهم" القوى "الديمقراطية العالمية" ("إسرائيل" والولايات المتحدة) هذا الإجراء وتعترف مجدداً بشرعية الحاكم المحتل لمنصب السلطة الفلسطينية بلا غطاء دستوري لاعتبار أن ذلك "ضرورة ديمقراطية" (لأن التمديد تحت ذريعة حال الطوارئ في مناطق من أرضه المحتلة لا منطقية بالمرة، حيث مبررات الطوارئ ذاتها لم تنقطع عن غزة والضفة حتى قبل وجود فتح وحماس وهو لم يمنع إجراء الانتخابات من قبل).

وفي المقابل، من الطبيعي أن ترفض حماس هذا التهديد، لكن من غير الطبيعي أن يتخذ رجال السلطة الفلسطينية هذا المنحى وهم في موقف الضعف الذي يفرض عليهم مد أيديهم للتوافق مع حماس، وكأن ثمة من يحول بينهم وبين أي موقف وطني أو قيمي يخرج ما تبقى من فلسطين من الدائرة المفرغة التي وضعها فيها المارينز الفلسطيني الذي يستمد قوته وعناده من واشنطن وتل أبيب.. وسوى ذلك، لا يكاد يستبقي أي مسحة من شرعية أو إحساس بالمسؤولية الوطنية الفلسطينية، لكي لا يذكر لهم التاريخ حين يكتب حسنة واحدة، ولا يمكنه أن يدعوهم حينها إلا بالمخربين.