الغاز المصري لـ"إسرائيل" هل يغلق القضاء صمامه؟!
24 ذو القعدة 1429
أمير سعيد




[email protected]

كادت قلوب المسؤولين الصهاينة تنخلع قبل شهور عندما تسرب الغاز الذي تدفق من العريش المصرية إلى مدينة عسقلان الفلسطينية المحتلة منذ العام 48 التي تعيش بها غالبية "إسرائيلية" لدى تجربته لأول مرة، ما أوشك يتسبب بكارثة مروعة للصهاينة إذا ما تسرب الخبر مع الغاز إلى الفصائل الفلسطينية المقاومة التي تملك صواريخ قادرة على الوصول إلى عسقلان.

تملك الأجنحة العسكرية للفصائل الإسلامية صواريخ جراد والقسام وغيرهما مما يجاوز مداه 20 كيلو متراً ويمكنه الوصول إلى أقرب المدن الرئيسية (عسقلان) إلى شمال غزة، والخلل الفني بالغ الخطورة بإحدى أنابيب الغاز الممتدة من إيلات (أم الرشراش المصرية المحتلة) إلى عسقلان كاد يقود ـ وفقاً لصحيفة معاريف (15/3/2008) ـ إلى مقتل عشرات الآلاف من "الإسرائيليين" إذا ما تلاقت الصواريخ الفلسطينية مع الغاز المتسرب حينها.. أما الآن فقد انهمرت الصواريخ على عسقلان الأسبوع الماضي فيما كانت الأنباء تتحدث عن نجاح المعارضة لهذه الاتفاقية المجحفة والمشينة لتصدير الغاز المصري لـ"إسرائيل" في كسب خطوة للأمام مع صدور حكم قضائي جريء بوقف إمدادات الغاز إلى "إسرائيل" لتعارضها مع الدستور والقانون، والطريف أن أحد مقدمي الدعوى القضائية هو الناشط المصري محمود "العسقلاني" الذي ينتمي إلى هذه المدينة العربية التي كانت سبباً يوماً في تأمين القدس إبان معارك صلاح الدين الأيوبي.

العسقلاني بدوره أكد عقب تقديم وزارة البترول المصرية استشكالاً لنقض قرار المحكمة أن "الاستشكال يؤكد أن لإسرائيل أذرعا في الحكومة المصرية التي فوتت فرصة ذهبية للتنصل مما سماه اتفاق العار (..) فأي منطق إسلامي أو عربي أو حتى إنساني يفسر أن نمد دبابات ومدرعات الاحتلال ليفتك بطفل وشيخ وامرأة في فلسطين؟.. هذا عار لا يمحوه شيء"، وهو ما يشي بأن صمام الإغلاق لم يزل عصياً على المعارضين للصفقة التي أثارت ببنودها المجحفة الرأي العام المصري والعربي لدى الكشف عنها من الجانبين الأمريكي والصهيوني.

وقد يتوقع البعض أن الحكومة ذاتها ستفيد من هذا الحكم القضائي الصادر في رفع سقف مطالبها برفع قيمة الصفقة بعدما تبرم الرأي العام في مصر من دعم الوزارة المصرية للغاز المصدر إلى "إسرائيل" علاوة على كونه ذاهباً بالأساس إلى كيان العدوان، لكن "المتشائمين" هم الأعلى صوتاً في توقعهم بعدم اتخاذ الوزارة ما يبرد نار المصريين البسطاء المتطلعين إلى فك الحصار عن أهل غزة لا تزويد دبابات العدو الصهيوني بالوقود!!، لاسيما وخط الغاز يتخطاهم، إذ يمتد تحت سطح البحر عبر أنبوب بطول 100 كيلومتر من العريش حتى عسقلان وكلف مصر نحو 470 مليون دولار في إنشائه وفقاً للإذاعة العبرية.

وكون الصفقة التي ظلت سراً تخص "إسرائيل" بالذات؛ فإنها تحمل لدى الرأي العام المصري معاني سلبية لاعتبارها أحد أدوات الاستقواء "الإسرائيلي" على الفلسطينيين بأدوات عربية؛ وبعض المعطيات التي تملكها المعارضة تزيد الاحتقان الشعبي حيث تتلخص فيما يلي:

"1 ـ قدرت شركة كهرباء "إسرائيل" أن أكثر من 20 % من الكهرباء المنتجة في مدينتي تل أبيب وأشدود بـ"إسرائيل" خلال العقد القادم ستعتمد على الغاز الطبيعي المصري، وذلك في المرحلة الأولى فقط، فيما أكد تقرير صادر داخل "إسرائيل" بعنوان "استراتيجيات إسرائيل في مجال الطاقة " إلى أن "إسرائيل" ستعتمد كلياً على الغاز المصري بدلاً من الفحم الذي كانت تستورده من جنوب أفريقيا وكولومبيا وأستراليا.

2 ـ أعلنت شركة أمبال "الإسرائيلية" العاملة في مجال الغاز والمشترية للصفقة من شركة شرق الأوسط المصرية عن زيادة أرباحها للربع الأول من عام 2008م؛ حيث وصلت أرباحها إلى أكثر من 128,7 مليون دولار أمريكي، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه أرباح الشركة لنفس الفترة من العام الماضي 1,1 مليون دولار، وفي حين تعزو مصادر المعارضة ذلك إلى بدء ضخ النفط بشكل غير علني، لا تؤكد المعطيات التي نشرها موقع الشركة على الإنترنت (http://www.ampal.com/ )، إذ اقتصر الموقع في طرحه للأرقام الدالة على تحقيق هذا الربح الذي تضاعف 117 مرة في نفس الفترة من العام 2007، من دون أن يعطي تفسيراً لها.

3 ـ يعتقد خبراء اقتصاديون مصريون أن توريد الغاز من مصر إلى "إسرائيل" سيوفر لخزانتها ما قيمته نحو مليار دولار سنويا، ما جعل السفير عبد الله الأشعل يتساءل عن "أسباب قيام القاهرة بتأمين "أسباب بقاء" إسرائيل"، وحدا بالخبير الاقتصادي علاء الدين الرفاتي أن يعتبر أن "إسرائيل" قد نجحت بشكل كبير في فرض عدم مرور أنبوب الغاز ضمن قطاع غزة". (تقرير للكاتب بمجلة اقتصاد العرب إبريل 2008).

وثمة أسباب اقتصادية واستراتيجية بالغة الأهمية تتعلق أولاً بالدعم الاقتصادي المقدم من خلال هذه الصفقة للكيان الصهيوني حيث إن الغاز تقدر قيمته المشتراة من الشريك الأجنبي في مصر بـ4,5 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية ويعاد تصديره لـ"إسرائيل" بثلث هذا الثمن تقريباً دون أن يعود على مصر من ذلك بشيء مبرر، كما أن السعرين كليهما هما أقل بكثير من سعر هذه الوحدة عالمياً، وبمعنى تالٍ؛ فإن الشركة المحتكرة للغاز (وهي قد بيعت لشركاء أجانب بعد الصفقة !!) تبيع الغاز المصري للكيان الصهيوني بسعر يساوي تقريباً معشار قيمته الحقيقية (قيمة الصفقة 2,5 ملياراً فيما القيمة الحقيقية تبلغ 22,5 مليار دولار!!)

وحيث تدعم الحكومة أنابيب البوتاجاز بـ12 مليار جنيه مصري سنوياً (الدولار يساوي 5,5 جنيهاً)، وتفتقر إلى تشغيل جميع محطاتها الكهربائية بالغاز، ويتناقص احتياطي مصر من الغاز باطراد مع هذه الصفقة حيث لا يتجاوز 36 تريليون متر مكعب، فيما تقدر قيمة الصفقة بنحو 18 تريليون متر مكعب، بما يشكك معه الخبراء على قدرة هذا الاحتياطي على الصمود مع تزايد الطلب المحلي عليه، لاسيما والقاهرة ذاتها لم تغطَ حاجياتها من الغاز الطبيعي حتى الآن بخلاف المحافظات الأخرى، وعلاوة على المصانع الاستثمارية في المدن الجديدة.

صفقة تخسر فيها مصر خمسة ملايين دولار يومياً لماذا يستبسل موظفوها استشكالاً أمام القضاء المصري لضمان استمرارها؟!

ملحوظة أخيرة: لانقطاع الكهرباء بسبب نقص الغاز لن يستطيع أهل غزة قراءة هذا التقرير!!