أنت هنا

هل تعنينا الانتخابات الأمريكية
7 ذو القعدة 1429




لا ينكر تأثير الولايات المتحدة في السياسة الدولية إلا مكابر أو شخص عاطفي يقدّم مشاعر الكراهية لممارساتها الفظيعة على الواقع الأليم،فينتهي إلى التهوين من حجم هذا التأثير.

غير أن الاعتراف بمدى سطوة العم سام في الساحة العالمية،لا يعني السير وراء الموهومين على الضفة الأخرى،وهم الذين يكادون يؤلهون البيت الأبيض،فترتعد فرائصهم من أصغر موظف في الخارجية الأمريكية!!فهلعهم يصوّر أمريكا في مخيلاتهم الكليلة كأنها تفعل ما تشاء،وكأنه يستحيل التصدي الناجع لهذا الوحش الصائل وتقليص مساحات الحركة الحرة أمامه!!

وفي هذه الساعات حيث يجري التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية،يغدو تذكر المعطيات السابقة ضرورياً لتقويم نتائج الانتخابات،بصرف النظر عن هوية من يخلف بوش الصغير في المكتب البيضاوي،سواء أكان الديموقراطي باراك أوباما-كما ترجح استطلاعات الرأي- أم الجمهوري جون ماكين.

وما يؤكد وجاهة هذا المنطق،أن المرشحَيْن اختلفا في كل شيء على الصعيد الداخلي:من القضايا الاجتماعية كالإجهاض إلى المسائل الاقتصادية والمالية كمعدلات الضرائب وحدود وطبيعة التأمين الصحي...،لكنهما اتفقا تماماً إلى حدود التطابق بل المزايدة بينهما!!في القضايا المتعلقة بالعداء للإسلام والمسلمين  والتأييد الأعمى لليهود المعتدين في فلسطين.

وهذا القاسم المشترك الأوحد هو ذروة التعبير عن الموروث الصليبي المترسخ في وجدان الفئة المسيطرة على صناعة القرار الأمريكي تقليدياً (الواسب،أي:أبيض أنجلوسكسوني بروتستانتي) ،حتى من قبل لجوئه إلى توظيف اليهود ضدنا،بل عندما كان اليهود منبوذين هناك ومحظوراً دخولهم إلى الولايات المتحدة،بما في ذلك حقبة الحرب العالمية الثانية حيث كان الاضطهاد النازي لهم في أعلى معدلاته!!!

ومن لم يكن مطلعاً على نشأة أمريكا،فليرجع قليلاً إلى مهمة كولومبوس وهي مطاردة المسلمين الفارين بدينهم من الأندلس،بإشراف وتمويل من الملكين الموتورين:فرديناند وإيزابلا.ولنذكر أن أسطول  الولايات المتحدة  خاض أول حروبه الخارجية ضد ليبيا قبل نحو مئتي سنة!!

والفرق اليتيم بين المتنافسين على زعامة واشنطن أمس واليوم وغداً،يتلخص في الأسلوب،فأحد الفريقين يصر على وقاحة فرعون  ):ما أريكم إلا ما أرى-وما علمت لكم من إله غيري-.....)وطريقة هتلر في ترتيب الأعراق والعزم على استئصال غير البيض علانيةً،فهو يزدري الأمم المتحدة صراحةً بالرغم من هيمنة أمريكا عليها،وبالرغم من كل خدمات هذه المنظمة للسياسة الأمريكية على الساحة العالمية،وأما الآخر فيفضّل المراوغة وارتداء قفازات حريرية ليكون ذبحه ناعماً!!وهو أسلوب يبلغ في النفاق مرتبة الأستاذية.فهذا الفريق يرفع لواء القانون الدولي وينفذ خطط الملأ الأمريكي، ويتحدث عن العدالة التي تعني عنده-عملياً-مطاردة العالم لكل من تبغضه واشنطن،ويسخّر المنظمات الأممية كأداةً في خدمة أوامر العم سام.....

وليس أدل على ذلك من أن أوباما لجأ إلى المزايدة على صقور المحافظين الجدد في الموقف من الكيان الصهيوني والعداء الشديد للإسلام،لأنه ما دام ملوناً فهو مضطر إلى تكلف قناعات السادة،وما دام أبوه مسلماً فلا مفر له لدخول البيت الأبيض من الإفراط في التبرؤ من الإسلام وفي شتم المسلمين.

إن العاقل لا يحتاج إلى دليل على النهار في عز الظهيرة،فها هي السياسة الأمريكية المعادية لأمتنا والمؤيدة لعدونا اليهودي تأييداً لا مثيل له في التاريخ،لم تتغير فعلياً بالرغم من تبدل هوية ساكني البيت الأبيض منذ ترومان حتى اليوم.وليس أمام المشكك الواهم سوى إنذار آيزنهاور لتل أبيب في فترة العدوان الثلاثي على مصر عام1956م،لإخلاء شبه جزيرة سيناء.

والواقع أن ذلك الموقف المختلف نسبياً كان اضطرارياً في ذروة الصراع الأمريكي/السوفياتي على مصر،التي كانت هوية قادتها الجدد(منذ ثورة يوليو1952م)ما زالت غامضة.كما أن الرئيس الأمريكي حينئذٍ استاء من اليهود لأنهم شنوا عدوانهم بالتنسيق مع لندن وباريس،اللتين كان الأمريكيون يطردونهما من المنطقة وفقاً لمبدأ شهير يومذاك،هو مبدأ سدّ الفراغ!!