محنة الحجاب والمحجبات في تونس فرادة الوضع وفظاعة الممارسات
5 ذو القعدة 1429
عبد الباقي خليفة







يعيش الشباب المتدين ولاسيما الفتيات المحجبات في تونس ، محنة كبيرة تذكر بمعاناة المؤمنين الأوائل من لدن نوح وحتى محمد صلى الله عليه وسلم . وتذكر بأهل الأخدود وبمؤمن آل فرعون ، وبآل ياسر ، وبكل المضطهدين من المؤمنين في الرسالات السابقة . كما تذكر بضحايا السلطات المستبدة في القديم والحديث . بدءا بضحايا النازية والفاشية وبالستار الحديدي كما تذكر بأبو غريب وجوانتنامو ، وكل الأمثلة العربية التي ابتليت بها أمتنا في العصر الحديث . ومع ذلك تظل الحالة التونسية متفردة في قساوتها ، وفضاعة ممارساتها . وبناءا على التقارير الواردة من تونس ، سواء الصادرة عن لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس ، أو " منظمة حرية وإنصاف ، أو" الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين " وهي تقارير موثقة بالأسماء والتواريخ . فإن ما يجري في تونس اليوم لم يسبق له مثيل في العصر الحديث .

ازدياد حدة الاضطهاد في شوال :

وقد ازدادت حدة العدوان على المحجبات في شهر شوال ( أكتوبر ) حيث قامت مديرة المعهد الأعلى للغات الحية بمدينة نابل (شمال) المدعوة منوبية المسكي بطرد  المحجبات من المعهد التى تشرف عليه ، كما تتعمّد استفزاز وإهانة الطالبات المحجبات مند انطلاق السنة الدراسية للعام 2008/2009 ، ويندرج سلوك المديرة المذكورة كما تقول لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس ،في اطار الحملة الشرسة التي تشهدها محافظة نابل ، والتي تهدف إلى قمع وترهيب الفتيات المحجبات في أرجاء الولاية .وقد أدانت لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس، بشدة تعمد مديرة المعهد الأعلى للغات الحية بمدينة نابل منوبية المسكي إهانة الطالبات المحجبات ، وممارسة الطرد التعسفي بحقهن ، وتدعوها إلى  الكف عن التعرض لهن ، وتمثل القيم التربوية بما فيها من احترام وتقدير وحسن معاملة . وطالبت السلطات التونسية بمراجعة سلوك المديرة ومحاسبتها على تجاوزاتها ، واعتبرت صمتها بمثابة أوامر رسمية تنفذ على أيدى المديرة المذكورة . وعشية الاحتفال بالذكرى 45 لجلاء آخر جندي محتل من ربوع تونس، والذى يوافق يوم 15 أكتوبر ، وفي عاصمة الجلاء بنزرت ، احتفل مدير المعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية بضاحية منزل عبد الرحمن المدعو توفيق بن بريك ، بهذه المناسبة الوطنية الجليلة على طريقته الخاصة ، فقام بشن حملة محمومة على المحجبات ، حيث منع أكثر من 60 طالبة محجبة من الدخول الى المعهد ، مهددا اياهن بطردهن نهائيا من المعهد إن لم يخلعن كل أشكال تغطية الرأس مما أثار بلبلة في صفوف الطلبة ، و تجمعت المحجبات أمام المعهد مما اجبر الكاتب العام ان يطلب من بعضهن الدخول الى مكتبه للتفاوض معهن ، وبالفعل وجد الكاتب العام صيغة يلطف بها قرار المدير المجحف فاتفق مع عدد من الطالبات ان يغيرن شكل حجابهن و يلبسن "التقريطة التونسية" كي يسمح لهن بالدخول ، مما أثار احتجاج العديد من الطالبات اللائي رفضن ان يتدخل احد في شكل لباسهن وتمسكن بحقهن الكامل في ارتداء حجابهن بالشكل اللائي يرينه مناسبا ، وبذلك لم تتمكن العديد منهن اليوم من مزاولة دراستهن .

اعتقال المحجبات في تونس :

لا تتورع السلطات الأمنية في تونس من ارتكاب أبشع الجرائم بحق  المحجبات ، بتهمة ارتداء الحجاب كما حدث بعد صلاة الجمعة  2 مايو 2008 م فبينما " كانت مجموعة من الفتيات يغادرن مسجد المنار بمدينة صفاقس بعد أداء صلاة الجمعة وقعت مهاجمتهن في الطريق العام من قبل عناصر " أمنية "  بالزي المدني تابعين على ما يبدو للحرس الوطني بصفاقس وتم اقتياد بعضهن إلى مقر الفرقة ، وفي حوالي الساعة الخامسة ظهرا قام الأعوان بمداهمة محل سكنى السيدة ، مريم بنت منصف والي ، حرم الطبيب المقيم بمستشفى صفاقس الدكتور غانم بن عز الدين المطيبع الكائن بطريق منزل شاكر كلم 1 قصاص المراكشي حيث وقع اعتقال جميع الفتيات اللاتي كن داخل المنزل بصدد مذاكرة و حفظ القرآن الكريم . و من بينهن :

1- السيدة مريم والي حرم غانم المطيبع

2- الآنسة حنان شعبان الطالبة بالسنة الأولى آداب فرنسية 

3- الآنسة فنون بكار طالبة بكلية الآداب بصفاقس

4- الآنسة إيناس الجلولي طالبة في الإعلامية

5- الآنسة يسرى القلال طالبة بالمعهد التحضيري

6- الآنسة سلمى غربال طالبة بكلية الآداب " .

و" لما كان عناصر الشرطة ، منهمكين في تدنيس حرمة المنزل المذكور قدمت اليه السيدة نبيلة بنت محمد كريد عاملة بالمستشفى لزيارة ابنها صاحب المحل الدكتور غانم المطيبع فوقع اعتقالها هي الأخرى كما قام عناصر الأمن  أيضا بمداهمة محل سكنى الآنسة فيروز ذياب وهي طالبة بالسنة الخامسة ثانوي واعتقالها بعد تفتيش محل أبويها واقتيادها إلى مقر الفرقة ". و" قد قامت عناصر الشرطة  بتعطيل أجهزة الهاتف الجوال التابع للمعتقلات مما انقطع معه أي اتصال بينهن وبين ذويهن .والذين كانوا يبحثون عنهن لدى الأقارب والأصدقاء دون جدوى ولجأوا إلى القسم الإستعجالي للمستشفى للسؤال عنهن ثم توجه بعضهم للسؤال إلى مراكز الأمن وكانت ،المفاجأة الكبرى ، إذ قام عناصر الشرطة باعتقال والدة الآنسة فيروز ذياب التي جاءت لمقر فرقة الحرس للسؤال عن ابنتها ليصبح عدد المعتقلات ثمانية " .

وقالت " الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين ، التي أعدت التقرير في حينه أن " الدكتور غانم المطيبع وقع  اعتقاله هو الآخر مع زوجته مريم و والدته نبيلة . وبذلك تم اعتقال جميع أفراد العائلة وقد رابط أهالي المعتقلات أمام فرقة الحرس بصفاقس إلى صباح 3 مايو 2008 م " .

ويؤكد أهالي المعتقلات أن بناتهن ليس لهن أي نشاط سياسي ، وكل ما كن يفعلنه هو الحرص على القيام بالواجبات الدينية والتعلم جماعيا آداب وأحكام تلاوة القرآن الكريم ،أحيانا ،  بمنزل السيدة مريم والي ، حرم الدكتور غانم المطيبع .

إرهاب الحقوقيين سياسة متبعة في تونس :

دأبت السلطة على محاولة إزاحة كل من يقف في وجه ممارساتها اللاانسانية بحق المتدينين ولاسيما المحجبات ، وبحق كل المعارضين لسياستها الاستبدادية ، التي لا مثيل لها في أي بلد عربي أو حتى غير مسلم ، بما يعكس التطرف العلماني ، الوجه الحقيقي للوصاية الكريهة على المجتمع في تونس . فكل من يفكر خارج الأطر الموضوعة يحارب ، ومن يتعاطف معه يوضع معه في نفس الخانة . وهو ما حصل في 30 مارس 2008 م مع الحقوقي جمال الرحماني  . ففي تقرير للجنة الدفاع عن المحجبات في تونس ، تعرض جمال الرحماني للتحقيق الأمني على خلفية قضية المحجبات في تونس . وجاء في التقرير " تم الجمعة 28 مارس 2008 م استدعاء المناضل السياسي والحقوقي وعضو الحزب الديمقراطي التقدمي السيد جمال الرحماني مقر فرقة الأمن المختصة وأيضا الى مقر فرقة الإرشاد بجهة سيدي بوزيد الواقعة بالجنوب الغربي للبلاد التونسية , عبر إتصال هاتفي يطلب منه الحضور وذلك على خلفية دفاعه عن المحجبات " , و" عند حضوره تواصل التحقيق معه ما يناهز الثلاث ساعات وطُلب منه الالتزام الخطي بعدم الدفاع عن المحجبات وعدم التعاون مع لجنة الدفاع عن المحجبات وعدم الاتصال بأي من الحقوقيين أو السياسيين أو الإعلاميين للغرض المذكور فرفض الإمضاء على نص الشروط " .

 وكان " البوليس قد قام قبل ذلك بحملة تفتيش وبحث لمدة أسبوع  قصد ترويع عائلته وأقاربه "  .

وكان أحد المدافعين عن المحجبات في تونس ، خالد ساسي ، قد تعرض للسجن والمضايقة وانتهاك حريته الشخصية . فبعد 15 يوما قضاها داخل السجن . وقد ذكر المعني للجنة الدفاع عن المحجبات في تونس ، ملابسات ايقافه ، حيث تدخل لصالح فتاتان كانت الشرطة بصدد خطفهما . حيث قال " بعد عودتي من صلاة العصر , كنت جالسا في دكان أخي , وإذ بسيارة شرطة توقف فتاتان كانت إحداهما منقبة , أما الثانية فترتدي خمارا , وطلبت الشرطة منهما مرافقتهم إلى مركز الأمن , فخافتا وأجهشتا بالبكاء , والتف سكان الحي حول السيارة فلم أتردد في الاستفسار عن سبب اعتقالهما , فقال لي العون أن هذا الأمر لا يهمك , بعد ذلك حِّلت بين رجال الأمن وبين الفتاتين وأمرتهما بالفرار فلم تترددا في ذلك , ولذت أنا بدوري بالفرار, وماهي إلا ساعة زمن حتى حوصرت المنطقة برجال الأمن , الذين داهموا بيتنا واعتقلوا أخي للتحقيق معه , فذهبت من الغد لأسلم نفسي للبوليس " . وتابع " وما إن رأوني حتى انهالوا علي ضربا , ثم  أمروني  بنزع ملابسي ليعلقوني فرفضت فقاموا بنزعها عنوة , وتم تجريدي  منها بالكامل , وأخذوا بضربي , وبسكب الماء على جسمي , وهم يسبون الجلالة و يتلفظون بأبشع الألفاظ  , وبعدها نقلت إلى منطقة الأمن بـ"المنزه".

وأضاف " سبق أن اعتقلتني أجهزة الأمن التابعة لأمن الدولة في شهر رمضان , بعد عودتي من العمرة بتهمة إنشاء "خلية إرهابية"  بالخارج , و لم تثبت التهمة فبرأت عند حاكم التحقيق , وقضيت وقتها 10 أيام في وزارة الداخلية و15 يوما في السجن "  .

أما عن المحاكمة الأخيرة فقال "  لقد كان ذلك يوم 11/06/2008 م بمحكمة الناحية بتونس , حيث حكم علي بشهرين مع إيقاف التنفيذ , وقد تمسكت بموقفي وهو أني كنت أدافع عن حق الفتاتين في العيش بسلام , تلك النقطة التي أراد القاضي تجاهلها وعدم ذكرها في وقائع الحادثة . والمشكل الآن هو أن أخى محكوم غيابيا بـ 7 أشهر , بتهمة "مضايقة رجال الأمن" , عند مداهمتهم للمنزل " .

وكانت  لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس قد ذكرت في تقرير سابق أن " السلطات التونسية تقود حملة أمنية مسعورة على المحجبات , يقوم فيها عناصر البوليس باعتراض المحجبات في الطريق العام

الحجاب مدعاة للحرمان من الشهادة الجامعية :

 وإذا كانت النساء لا يأمن على أنفسهن وأعراضهن ، مما جعل تونس غابة للخوف ، فإن الطالبات الجامعيات والطالبات في المعاهد الثانوية يعانين الأمرين ، ففي الشارع يتربص بهن عناصر الشرطة وفي المؤسسات التعليمية المدراء والبوليس السياسي والمليشيات التابعة للنظام الحاكم . وكانت الطالبة آمال بن رحومة قد اتصلت بلجنة الدفاع عن المحجبات في تونس يوم 6 يونيو 2008 م وتحدثت عن معاناتها ومحنتها التي تعيشها آلاف النساء والفتيات في تونس " إنهم يعتزمون حرماني من ثمرة جهد بذلته لمدة خمسة عشر عاما خلف مقاعد الدراسة حيث كنت دائما أحصل علي المراتب الأولي

وأفادت بأن المندوب الجهوي للفلاحة بالمنطقة ، عبد الحميد حاجي ،  رفض تسليمها شهادة التخرج بسبب ارتدائها الحجاب  , وأنها اتصلت به عديد المرات ولكن دون جدوي , وكان كل مرة يقول لها "إنك مخالفة للقانون بارتدائك لغطاء فوق شعرك وأني ألتزم بالتعليمات ولا يمكنني أن أعطيك هذه الشهادة ما لم تكشف عن شعر رأسك " .

الاعتداء على الطفولة في تونس  بسبب الحجاب :

تفتخر السلطات في تونس رياء ، بأنها وضعت حقوقا للطفل ، وأكثر من ذلك الادعاء العريض المفرغ من معانيه ، وهو تدريس حقوق الطفل في المدارس ، وكذلك حقوق الإنسان ، بينما تنتهك حقوق الطفولة بكل الطرق ، سواء  عند سجن الأب بسبب مواقفه السياسية وغالبا ما يكون تدينه تهمة ، لاسيما إذا كان تدينا خارج الأطر التي وضعتها السلطة ، فالحجاب فضلا عن النقاب واللحية تعد قمة التطرف الديني في مفهوم النظام الحاكم في تونس اليوم . بل أن الأطفال لم يسلموا من الاضطهاد فقد أقدم مدير مدرسة أساسية بالاعتداء على طفلة بسبب ارتدائها الحجاب . وقالت لجنة   الدفاع عن المحجبات بتونس أن مدير المدرسة الأساسية بحي المنجي سليم  المدعو حسن فرحات , قام بالاعتداء على الطفلة آمال النعيمي ( 12 سنة ) بالضرب , بعد أن اقتحم عليها قاعة الدراسة وخلع حجابها أمام زملائها , وصفعها وهددها إن عادت إلى  هذا اللباس بأنه سيطردها و قال لها بالحرف الواحد "مانيش ناقص مشاكل " .

الحرمان من التعليم في تونس بسبب الحجاب :

 وليست عملية اضطهاد المحجبات خاصة بمدرسة واحدة أو معهد واحد أو كلية واحدة في تونس ، بل حالة عامة تشمل جميع المراكز التعليمية على مختلف مستوياتها الثانوية والجامعية ، مما ينفي كونها سلوكا فرديا ، وإنما سياسة نظام حاكم معادي للإسلام وللمظاهر الإسلامية ولاسيما الحجاب واللحية .