كيف ترى صحافة فرنسا الأزمة الاقتصادية العالمية
4 شوال 1429
عبير خضر
تحديات الأزمة المالية العالمية، وأعراض المرض المزمن للمشهد السياسي "الإسرائيلي"، وعودة الروح الإمبراطورية إلى روسيا، موضوعات ثلاثة حضرت بقوة في الصحافة الفرنسية.
ترجمة وإعداد : عبير خضر
الأزمة المالية العالمية
في افتتاحية كتبها فرانسوا سيرجان بصحيفة ليبراسيون (رئيس تحرير صحيفة ليبيراسيون اليسارية) في 21/9/2008 ذهب إلى أن الصدمة المالية التي شهدتها أسواق المال في أمريكا يوم الخميس الأسود ستكون لها آثار بالغة القوة والدلالة على حملة المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية جون ماكين الذي اضطر إلى التعبير عن مواقف حمائية اقتصادية بدا أقرب إلى سلفه الرئيس بوش في تبني النهج الاقتصادي ذاته. ويؤكد الكاتب أن مثل هذا النوع من الأزمات حتمي الوقوع عادة في ضوء سياسات الليبرالية اللامحدودة التي يجنح إليها "الجمهوريون"، الذين يجدون أنفسهم الآن تحت ضغوط متعاظمة تغذيها نقمة 47 مليون أميركي خارج التغطية الصحية، وملايين الأميركيين الآخرين الذين فقدوا بيوتهم وأعمالهم وعيشهم ويبحثون الآن عن كبش فداء يحملونه تبعات تلك الكوارث.
 
وفي صحيفة لوموند كتب فرانسوا دافيد (رئيس الشركة الفرنسية لضمان الصادرات- كوفاس) مقالاً بعنوان: "لا، لن يقع تسونامي اقتصادي"، قلل فيه من مخاطر ما ذهب إليه بعض المحللين الاقتصاديين من احتمال تكشُّف الأزمة المالية الكبيرة عن موجة كارثية يشمل الاقتصاد العالمي. واعتبر دافيد أن الأزمة الحالية هي في الواقع تتكون من ثلاث أزمات متشابكة معا ، محذرا أن الأزمة المصرفية قد لا تكون هي أخطر ما فيها. وأراد الكاتب أن يزيح قناع التشاؤم المتفشي هذه الأيام في وسائل الإعلام والتي تتوقع أن تشهد سنة 2008 تباطؤاً وتراجعاً كبيرين في أداء الاقتصاد العالمي وعلى نحو شبيه بما جرى سنة 2001، مشيراً إلى أن الدور الكبير الذي تلعبه الاقتصادات البازغة في الصين والهند وروسيا والبرازيل والدول الصاعدة مقارنة مع ذلك العام، يجعل هذا الاحتمال غير وارد.
وهذا الرأي يجد ما يدعمه في مقالة جان مارسيل بوجيرو بمجلة لونوفل أوبسرفاتور بعنوان ( هل سنشهد أزمة مثل 1929... هذا هو السؤال). ومع أن الكاتب لا يرجح ذلك، إلا أنه يميل لتأييد أن ما يجري قد يؤدي إلى انتقال ثقل التأثير في الاقتصاد العالمي من الولايات المتحدة إلى أسواق الدول البازغة في آسيا وأمريكا اللاتينية وهو ما تكون لها آثار بالغة الصعوبة والقسوة على الاقتصاد العالمي كله.
 مرض "إسرائيل"
 
تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند افتتاحية يوم 21/9/2008 وصفت الفوز الذي حققته زعيمة حزب "كاديما" "الإسرائيلي" وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني" بأنه "انتصار بطعم الهزيمة"، وتضيف الصحيفة أن التجاذب السياسي الحاد القائم حاليا يؤكد بأن النظام السياسي "الإسرائيلي" يعاني بالفعل من أزمة اختناق مزمن . ولا أقله تسيد نوع من الزبونية السياسية خلال التعبئة الهزيلة للحملة الانتخابية بين "ليفني" ومنافسها ، وهو ما صب في النهاية في صالح ليفني ووضعها على عتبة تولي أعلى سلطة في "الدولة العبرية"، إلا أن أصوات نصرها تنحسر أمام الأسئلة العديدة التي تثيرها وفي مقدمتها التساؤل عن احتمال انشقاق أطراف ممن صوت لشاؤول موفاز وعودتها لحزب "الليكود"؟ وهل ستستطيع ليفني ترويض تطرف الأحزاب الكثيرة، القزمة والنزقة والمتطلبة، التي ستحتاج إليها حتماً لتشكيل تحالف حكومي قادر على العيش؟ وذلك لشعور الجميع بأن حزب ليفني لن يستطيع المحافظة على موقفه الحالي القوي نسبياً في "الكنيست"؟.
ماذا تستطيع ليفني أن تعمله فيما لم يستطعه من سبقها من رؤساء حكومات "إسرائيل"؟ إن أكثر ما تلام عليه هذه المرأة أنها لا تملك لا حنكة السياسة ولا فن إدارة المعارك والحروب التي تعيش عليها "إسرائيل" منذ قيامها بينما مشاكل دولتها وتحدياتها في ازدياد مستمر.  فـ"إسرائيل" ستدخل مع نهاية حكومة أولمرت منعطفا خطيرا، فهل ستتمكن هذه المرأة الحديثة الخبرة القيام بما لم يستطعه الرجال؟.
وستجد نفسها مرة أخرى أمام أمرين كلاهما مر: الحرب أو السلم. فـ"إسرائيل" ما زالت تتخبط في أوحال هزيمة 2006، في لبنان، ولا يخطر ببال أي من أركان حربها المغامرة من جديد في حرب مع أي دولة عربية أيا كانت الظروف، والاكتفاء بالحديث في وسائل الإعلام عن توجيه ضربة عسكرية لإيران ولبرنامجها النووي لا أكثر خاصة بعد أن تراجعت إدارة الرئيس بوش عن تأييد الدخول في مواجهة عسكرية ثلاثية الأبعاد معقدة وغير مضمونة.
وأشارت لوموند في معرض تدليلها على مرض المشهد السياسي "الإسرائيلي" إلى الضعف المتنامي الذي ينخر في الحزبين الرئيسيين اللذين اقتسما الزعامة منذ قيام "إسرائيل"، وهما "الليكود" و"العمل". ويزيد المشهد تعقيداً طغيان قضايا الفساد التي باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة السياسية في "إسرائيل"، وهي القضايا التي أرغمت رئيس الوزراء أولمرت على التنحي، تماماً كما فعلت مع نتانياهو، وكما وسمت فترة حكم شارون، من بدايتها حتى نهايتها.
وتؤكد لوموند أن "الديمقراطية" "الإسرائيلية" مريضة مرضاً حقيقياً ومزمنا، لم يعد بحاجة إلى دليل لإثباته. والأخطر أن هذا الواقع ستكون له تداعياته السلبية، دون شك، على قدرة "الدولة العبرية" على المضي قدماً في طريق التسوية السلمية في الشرق الأوسط، وهي تسوية تفترض مبدئياً حداً معقولاً من وضوح الرؤية، وترسخ الشرعية، لا أثر له الآن.
 
وفي سياق متصل كتب جوزيف ليمانج افتتاحية في "ويست فرانس" في اليوم ذاته قال فيها إن الانتخابات "الإسرائيلية" الأخيرة حشدت في الأفق كل ما كان ينقص للتأكد من استحالة حدوث تسوية أو سلام، من هنا وحتى نهاية العام الجاري، كما وعد بذلك مؤتمر "أنابوليس" في نوفمبر الماضي. فها هو رئيس الوزراء "الإسرائيلي" يشهر إفلاسه ويستعد للاختفاء من المشهد، معطوفاً على ذلك قرب انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني، وانتفاء أية سلطة له على غزة. إضافة إلى انشغال أميركا في حمى حملتها الانتخابية والتي وما زالت لم تعرف بعد من سيخلف الرئيس بوش في البيت الأبيض. وكل ذلك يؤشر إلى أن دبلوماسية الانتظار ستكون هي سيدة الموقف في الشرق الأوسط. ولعل عنصر التفاؤل الوحيد هو فوز ليفني، التي تعرف جيداً تفاصيل الصراع وتعقيداته، بحكم إمساكها بحقيبة الخارجية خلال الفترة الأخيرة. ولكن الكثير من الشكوك ما زال يحيط باحتمال تمكنها من تشكيل حكومة، وأيضاً بطبيعة الأطراف والشروط التي ستتعامل معها فيها، إن قامت لها قائمة من الأساس.
أوروبا... وتحديات بوتين:
في صحيفة لوموند كتب أندريه جلوكسمان (فيلسوف فرنسي) تحليلاً تحدث فيه عن عودة روسيا الفيدرالية ذات الأحلام الإمبريالية إلى المسرح الدولي، مع ما يطرحه من تحديات بالنسبة للدول الغربية ومخاطر نزعة الهيمنة الروسية على مستقبل القارة الأوروبية.
ويعتبر جلوكسمان أن ما دمرته الدبابات الروسية في "غزوها" لجورجيا قد جرف معه أيضا أوهام أوروبا التي علقت آمال كثيرة على من سمته طويلاً "صديقنا بوتين"، وها هي تجد نفسها مضطرة لمواجهة الموقف الروسي على حقيقته، ويشير الكاتب إلى أن رئيس وزراء روسيا الحالي (بوتين) كان يقصد ما يقول حين صرح بأن: "أكبر كارثة جيوبوليتيكية في القرن العشرين كانت تفكك الاتحاد السوفييتي" ، وذلك لأنه – بوتين - ما زال مسكوناً بالزمن الإمبراطوري الروسي ويسعى لاستعادته بأي ثمن ولو بطرق حديثة ومبتكرة، وهذا هو ما يفسر – حسب الكاتب - حدة التشنج التي تعامل بها مع ما عرفته دول جوار روسيا القريب من ثورات ديمقراطية متتالية "برتقالية" و"وردية" وغيرها.
ينتهي الكاتب محذرا القارة الأوروبية بأن عليها أن تستعد لمرحلة صعبة تتطلب اشباع شهية التغول الروسي، وكبح جماحه، وقد يساعدها في تلك المهمة ذلك الضعف الذي التصق بموقف روسيا والعزلة الدبلوماسية التي تعيشها بعد غزوها لجورجيا، وهي العزلة التي عبرت عن نفسها من خلال إخفاق الكريملين في جعل أي طرف دولي يعترف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا.