هل يتحقق "الحكم الذاتي" لمسلمي الفلبين ؟
13 ذو القعدة 1439
د. زياد الشامي

حسب الأنباء الواردة من هناك فأدنى حقوق مسلمي الفلبين باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق , فقد صادق البرلمان الفلبيني أمس الثلاثاء على قانون يمنح الحكم الذاتي لمنطقة "مينداناو" التي يعيش بها شعب مورو المسلم جنوبي البلاد.

 

 

يأتي ذلك بعد يوم واحد من مصادقة مجلس الشيوخ الفلبيني على القانون ذاته الذي يحمل اسم "قانون بانغسامورو الأساسي" الذي كان تتويجا لاتفاق وقع بين الحكومة الفلبينية و"جبهة مورو" الإسلامية قبل 4 سنوات خلال فترة ولاية الرئيس السابق بينينو أكينو الثالث.

 

 

لم تبقى إلا خطوة واحدة ليدخل القانون الجديد حيز التنفيذ ويكتسب شرعية كاملة ألا وهي خطوة توقيع رئيس البلاد على القانون , وقد أفادت وسائل إعلام فلبينية بأن القانون تم رفعه بالفعل إلى الرئيس "رودريغو دوتيرتيه" للمصادقة عليه .

 

 

لم يكن الوصول إلى هذه المرحلة بالأمر اليسير أو السهل ولم يكن بلوغ هذه الخطوة دون ثمن أو بذل بل جاءت بعد جهود مكثفة وصراع طويل وتضحيات كثيرة وعقبات جمة وُضعت أمام نيل المسلمين في الفلبين أبسط حقوقهم المشروعة .

 

 

قد لا يعلم الكثير من المسلمين عن مأساة ومعاناة مسلمي الفلبين على مدى العقود السابقة مع أنظمة الحكم الديكتاتورية ولا عن رحلة صراعهم الطويل لنيل أبسط حقوقهم المشروعة في الاستقلال أو "الحكم الذاتي" على الأقل .

 

 

ومع أن تلك الجزر البعيدة قد عرفت الإسلام ودخل إليها نور التوحيد منذ القرن الرابع الميلادي عبر التجار المسلمين , ورغم أن أكثر من 85% من مسلمي الفلبين يقطنون في جنوب البلاد....إلا أن محاولات تهجيرهم وحرمانهم من العيش بأمان وسلام واستقرار وازدهار في بلدهم الأم لم تهدأ أو تتوقف منذ عقود .

 

 

بدأت قصة معاناة مسلمي الفلبين منذ أن تنازلت إسبانيا عن الفلبين - التي كان جنوبها مستقلا - للولايات المتحدة الأمريكية لتقوم الأخيرة بضم الجنوب إلى الشمال و تنصيب زعيم موال لها على البلاد والعباد قبل أن تمنح الفلبين استقلالها الظاهري وسط أربعينيات القرن الماضي .

 

 

لم يكن الإهمال والتهميش ما يعاني منه مسلمو مورو بعد الاستقلال فحسب , بل كان لتولي الديكتاتور "ماركس" مقاليد الحكم في البلاد عام 1965 وقعا أليما ومريرا عليهم حيث تعرضوا للقتل والتنكيل والتهجير وارتُكتبت بحقهم أبشع المجازر .

 

 

أمام هذا الاضطهاد والقمع والقتل والتهميش اضطر مسلمو مورو لتشكيل جبهة مقاومة وطنية أطلقوا عليها اسم "جبهة تحرير مورو الوطنية " في بداية سبعينيات القرن الماضي للدفاع عن أنفسهم و للعودة إلى حقبة الاستقلال عن الفلبين التي كانوا يتمتعون بها .

 

 

كانت أولى ثمار مقاومة جبهة تحرير مورو اضطرار الدكتاتور "ماركس" لطلب هدنة والتوقيع على اتفاقية طرابلس عام 1976م التي نصت على بند منح مسلمي الجنوب حكما ذاتيا .

 

 

لم تترجم وعود منح مسلمي مورو "حكما ذاتيا" في جنوب البلاد إلى واقع ملموس على أرض الواقع بل ظلت المفاوضات تراوح مكانها وتتعثر مرة تلو أخرى خلال حقبة الحكومات المتتالية التي مرت على الفلبين بعد حكم الديكتاتور "ماركس" , فلم تنفذ حكومة الرئيس فيديل راموس الاتفاقية الموقعة عام 1996م , كما شن الرئيس "جوزيف اوسترادا" حربا شاملة على الجنوب ضد الجبهة الإسلامية لتحرير مورو خلال فترة ولايته , ليكتمل مشهد حقيقة موقف تلك الحكومات من الاتفاقيات الموقعة مع جبهة تحرير مورو والوعود بمنحهم حكما ذاتيا بموقف رئيسة البلاد "غلوريا" التي تراجعت عن اتفاقية الحكم الذاتي لشعب مورو.......

 

 

تفاءل مسلمو الفلبين بوصول "رودريغو دوتيرتي" إلى سدة الحكم عام 2016م الذي اعترف بحق المسلمين المشروع في الحكم الذاتي و أقر بأنهم موجودون هنا منذ مئات السنين , ومع مصادقة البرلمان الفلبيني على "قانون بانغسامورو الأساسي" يخطو المسلمون هناك الخطوة قبل الأخيرة لتحقيق حقهم المشروع .

 

 

قد لا يكون "الحكم الذاتي" هو منتهى ما كان يطمح به مسلمو الفلبين الذين كانوا وما زالوا يأملون بنيل الاستقلال الكامل عن الفلبين وإنشاء دولتهم الإسلامية على أرضهم التاريخية إلا أن تحقيق ونيل "الحكم الذاتي" الآن قد يمهد فيما بعد للاستقلال و تحقيق الأمل المنشود .