كيماوي الطاغية والنفاق الدولي
24 رجب 1439
د. زياد الشامي

لم تعد مسرحيات تباكي العصابة الدولية من الدول الأوروبية و زعيمها العم سام على استخدام طاغية الشام للسلاح الكيماوي ضد الأطفال والمدنيين الأبرياء في عموم سورية – دوما آخرها - تنطلي على أحد , ولم يعد أحد يصدق تهديداتهم الشكلية الجوفاء وتوعدهم الفارغ بالرد والمعاقبة على دعوى تجاوز الطاغية خطوطهم الحمراء المزعومة...فالجميع بات يعلم أن ما سبق لا يعدو أن يكون محاولة بائسة يائسة من قادة دول القارة العجوز وأمريكا لغسل عار تواطؤهم المكشوف ومشاركتهم الواضحة في الدم السوري وإجهاض ثورة الياسمين .

 

 

مشهد التصريحات النارية والتهديدات العنترية التي تطلقها دول الغرب وزعيمهم "ترامب" بعد أن أنهى العميل المأجور مهمته الموكولة إليه و نفذ ما طُلب منه بالتحديد لإجبار ثوار دوما وأهلها الأحرار على القبول بالخروج من مدينتهم وتهجيرهم إلى الشمال...لم يعد يثير في نفس المتابع الواعي العاقل إلا التقزز والاشمئزاز والخشية على مستقبل الإنسانية مع واقع النظام الدولي الحالي الذي يعتبر الأسوأ على مر التاريخ .

 

 

وزارة الخارجية الفرنسية دعت مجلس الأمن للاجتماع سريعا لبحث الوضع في الغوطة الشرقية على خلفية المجزرة الكيماوية في مدينة دوما التي خلفت عشرات الشهداء وأكثر من ألف مصاب زاعمة أن فرنسا لن تتهرب من مسؤولياتها حول سورية !! بينما كان للدولة الاستعمارية المنافسة لباريس "بريطانيا" دور آخر في مسرحية التباكي على المجزرة الكيماوية بدوما , حيث دعت لندن إلى ضرورة فتح تحقيق دولي عاجل في التقارير التي تشير إلى وقوع هجوم كيماوي جديد في مدينة دوما ، حيث طالب متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية في بيان صحفي نظام الأسد وداعميه روسيا وايران إلى "وقف العنف ضد المدنيين الأبرياء" !!!

 

 

وزيرة الخارجية السويدية "مارغوت فالستروم" دعت من جهتها المجتمع الدولي إلى الإسراع في فتح تحقيق حول الهجوم الكيماوي الذي شنه النظام السوري على مدينة دوما بالغوطة الشرقية , في الوقت الذي قال فيه الاتحاد الأوروبي : إن "الدلائل تشير إلى شن نظام الأسد هجوماً كيماوياً آخراً" داعيا إلى "رد دولي" كما طالب الاتحاد "روسيا وإيران لاستخدام النفوذ مع نظام الأسد لمنع أي هجمات كيميائية أخرى" !!!

 

 

لا أحد يدري كم عدد المرات المسموح بها غربيا وأمريكيا ودوليا باستخدام النظام النصيري للسلاح الكيماوي ضد معارضيه حتى يتم ردعه ومنعه من تكرارها ..... لكن الأكيد الواضح أنه عدد غير محدد على ما يبدو خصوصا إذا علمنا أن طاغية الشام قد استخدم السلاح المحرم دوليا ضد الأبرياء في عموم سورية 215 مرة وفي دمشق وريفها على وجه الخصوص 100 مرة !!!

 

 

وإذا كان موقف الدول الغربية من الثورة السورية من النفاق والخداع والكذب والمراوغة بمكان فإن الموقف الأمريكي لا يقل عنها نفاقا وكذبا وخداعا بشيء , فسيوفهم ومصالحهم مع النظام النصيري ولسانهم وتصريحاتهم الفارغة مع من تسميهم "المعارضة" .

 

 

ومن هنا لم يتأخر مشهد النفاق الأمريكي بعد مجزرة دوما الكيماوية حيث هدد "ترامب" الأسد الذي وصفه "بالحيوان" بدفع ثمن باهظ عقب الهجوم الكيماوي الذي استهدف مدينة دوما .

 

 

التهديد والوعيد الترامبي جاء عبر تغريدة له على موقع تويتر قائلا : "الأسد سيدفع ثمنا باهظا للهجوم الكيماوي الذي أودى بحياة كثيرين بينهم نساء وأطفال" محملا روسيا ورئيسها (بوتين) وإيران المسؤولية عن الهجوم بدعمهم لنظام "الأسد الحيوان" على حد وصفه .

 

 

قناة "الحرة" نقلت عن مصدر في البيت الأبيض اعتزام الرئيس الأمريكي عقد اجتماع مع كبار القادة العسكريين اليوم الاثنين في البيت الأبيض بحضور وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد .

 

 

أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي للأمن الداخلي قال : إن "الولايات المتحدة لا تستبعد شن هجوم صاروخي ردا على تقارير جديدة عن هجوم كيماوي على مدينة تسيطر عليها المعارضة في الغوطة الشرقية بسوريا".

 

 

المرشح الرئاسي الأمريكي الأسبق السيناتور الجمهوري "جون ماكين" اعتبر أمس الأحد أن "التقاعس الأمريكي جرَّأ نظام بشار الأسد على شن هجوم كيميائي على الشعب السوري (في بلدة دوما بالغوطة الشرقية)" مطالبا الرئيس بـ"رد حاسم" على هذا الهجوم .

 

 

الرد الحاسم من وجهة نظر "السيناتور ماكين" الذي طالب به "ترامب" شبيه برد العم سام على الهجوم الكيماوي النصيري على بلدة خان شيخون السورية في محافظة إدلب العام الماضي والذي كان شكليا بامتياز ومحاولة لذر الرماد في العيون لا أكثر .

 

 

الغطاء الدولي الذي يمارس من خلاله طاغية الشام مجازره الوحشية بحق أطفال سورية وأبريائها ينذر بكارثة وشيكة على مستوى الإنسانية جمعاء , فانحدار مستوى الضمير العالمي إلى هذا الدرك من تبلد الشعور وموت الإحساس لا يمكن للبشرية تحمّل نتائجه وآثاره المدمرة عاجلا أو آجلا .