ليست المرة الأولى التي يقوم فيها النظام النصيري وأسياده الروس والإيرانيون بحملة إبادة شاملة ضد منطقة من مناطق سيطرة الثوار تمهيدا لاحتلالها وتهجير أهلها بصيغة أو بأخرى من صيغ اتفاقيات الإذعان التي لا تمنح الطرف الآخر سوى خيار الموت أو الاستسلام....فقد تكرر هذا السيناريو في أكثر من مكان وليست أحياء حلب الشرقية من ذلك ببعيد .
قد يكون من نافلة القول بأن استفراد النظام النصيري وأسياده بمناطق الثوار واحدة تلو أخرى وعدم تشتيت قواه على أكثر من جبهة جاء بعد سياسة "فرق تسد" الخبيثة التي استعملها مع فصائل ثورة أهل الشام مستفيدا من خلافاتهم وتفرقهم وتنازعهم واقتتالهم أحيانا تحت شعار المصالحات الوهيمة والتهدئة و خفض التصعيد......الخ .
كل المقدمات والمؤشرات تؤكد أن حملة الإبادة الممنهجة وهستريا القصف الهمجي النصيري الروسي على الغوطة الشرقية المستمر منذ أيام يتجه نحو هدف واحد بات واضحا ولا يحتاج إلى استنتاج ألا وهو محاولة احتلال الغوطة وإنهاء الحالة الثورية فيها وتهجير أهلها والمقاتلين منها تماما كما حصل من قبل في أحياء حلب الشرقية .
سقوط أكثر من 100 شهيد في يوم واحد – أمس الاثنين - نتيجة القصف الهستيري بكل أنواع الأسلحة , واستهداف بلدات الغوطة بأكثر من 100 صاروخ خلال ساعات.....وسط صمت دولي مخز ومشين وتواطؤ غربي أمريكي أممي فاضح يؤكد ما سبق .
قيام عرّاب "اتفاق حلب" المدعو "عمر رحمون" بتقديم ما وصفه بـ "نداء" إلى أهالي الغوطة الشرقية بدمشق يعرض فيه استعداده للتدخل كوسيط بينهم وبين نظام الأسد , زاعما في تغريدة له على موقع "تويتر" بأن قرار احتلال الغوطة قد اتخذ.. قائلا : أوجه نداء لأهلي في الغوطة..عارضا عليهم خطة استسلام والتوقيع على وثيقة انتحار تحت مسمى : "اتفاق يحفظ ماء وجهكم ويبقيكم في منطقتكم" يؤكد أيضا هذا الأمر ويدعمه .
وبعيدا عن كلام "رحمون" هناك تصريح واضح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتحدث فيه عن إمكانية تطبيق تجربة أحياء حلب الشرقية على غوطة دمشق وذلك خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الجزائري "عبد القادر مساهل" أمس الاثنين قال فيه حرفيا : إن "تجربة "تحرير" مدينة حلب من "الإرهابيين" قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية في ريف دمشق ضد مسلحي "جبهة النصرة الإرهابية" . مضيفا أن الأمم المتحدة تسعى إلى تطبيق "تهدئة" في الغوطة لمدة شهر وإيقاف الهجوم ......تمهيدا بالطبع لتهجير أهلها ودخول قوات النظام وروسيا إليها .
تبادل الأدوار بين الدول الغربية وروسيا والمنظمة العميلة الأممية بات واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار , فها هو منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون "الإنسانية" في سورية "بانوس مومتزيس" يخرج عن صمته ويبدأ بتنفيذ مهمته الموكلة إليه تمهيدا لاستكمال اتفاقية الإذعان ويقول : "إن استهداف المدنيين في الغوطة الشرقية "يجب أن يتوقف حالاً" !!!
أما التحالف الدولي الغربي بقيادة العم سام فهو مشغول عن إيقاف مجازر النظام النصيري والروسي في الغوطة أو حتى استنكارها بمجازر يرتكبها طيرانه الحربي في دير الزور , فقد أفادت صفحة "فرات بوست" بمقتل 16 مدنياً أمس الاثنين - معظمهم أطفال ونساء - جراء قصف جوي للتحالف على الأحياء السكنية في مدينة هجين في ريف ديرالزور الشرقي باسم "تحريرها" من "داعش" .
كثيرة هي الوقفات التي يمكن تسجيلها على ما يجري في الغوطة الشرقية من حملة إبادة ممنهجة ضد أهم معاقل الثوار في الشام منذ أيام لعل أهمها :
أولا : أهمية ومحورية نتيجة الحرب الدائرة في سورية في رسم معالم وخرائط المنطقة وشدة شراسة الحملة المعلنة ضد أي مقاومة إسلامية للمخطط المراد تنفيذه وفرضه على المسلمين في أرض الشام ينبغي أن تدفع الجميع للتركيز على هذه المعركة المصيرية ودعم الثوار بكافة الوسائل والسبل ومنع إجهاض ثورتهم المباركة .
ثانيا : حالة الضعف والوهن العربي والإسلامي الذي وصل إلى درجة الصمت على حملات الإبادة الجماعية المرتكبة ضد أبناء الأمة وعدم تحريك ساكن لوقف مخططات الهيمنة والسيطرة على أكثر بقاعه قدسية وأهمية يشير إلى مدى ضرورة عودة دولها وأبنائها إلى دينهم وتمسكهم بأهم أسباب استعادة عزهم ومجدهم .
ثالثا : عدم تعلم فصائل الثورة السورية من دروس ما جرى بحلب وغيرها من المناطق التي خسرتها بسبب تفرقها واختلافها فيما بينها واقتتالها في أكثر من مكان قد يكلفها ثمنا غاليا قد لا تستطيع تداركه أو تخفيف آثاره الكارثية .
أخيرا يمكن القول بأن الدرس الأهم الذي ينبغي أن يدركه ويتعلمه المسلمون عموما والسوريون على وجه الخصوص مما يجري في الغوطة وغيرها من المناطق من قبل هو أن النصر بيد الله وحده وأن القلوب ما لم تتعلق به سبحانه وتلجأ إليه بصدق وافتقار مع الأخذ بكامل الأسباب فإن هزيمة الأعداء ستبقى بعيدة المنال .