ملتقى الأوقاف الرابع.. نظرة إلى المستقبل
30 جمادى الأول 1439
عبد الحكيم الظافر

ما بين 54 مليار إلى تريليون ريال تتفاوت التقديرات حول حجم الأوقاف في المملكة العربية السعودية يقع جله ضمن الأوقاف العقارية بنسبة تقدرها بعض المصادر بنحو 0.3% من حجم الاقتصاد السعودي، ويتوقع أن يسهم في الاقتصاد المحلي بنسبة 6% بعد 12 عاماً.

 

 

الوقف كما هو معلوم في الشريعة هو "تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة" أو هو "حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح"، وقد ظل هدياً درج سلفنا الصالح على اتباعه، يقول جابر رضي الله عنه: ( لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ).

 

 

وقد كان الوقف دوماً مقوماً رئيساً من مقومات الاقتصاد الإسلامي على مر العصور، وعُد دلالة على الروح التكافلية العالية التي يتسم بها هذا الدين، ويغرسها في نفوس معتنقيه، وإليه تعود فكرة "المجتمع المدني" التي أخذتها الدول والمجتمعات الأخرى عن الدولة والمجتمع الإسلاميين.

 

 

ولأن اقتصاداً بهذا الحجم وذاك التأثير على مختلف أفرع العمل الخيري، تضافرت جهود لعقد عدة ملتقيات لمناقشة قضايا العمل الخيري في المملكة العربية السعودية، وكان رابعها ذاك الذي أقيم في العاصمة السعودية يومي 14_15 فبراير الحالي، حيث احتشد أكثر من ألف مشارك من نخبة المهتمين بالعمل الوقفي الخيري، لمناقشة خمسة محاور هي الأوقاف والتنمية، الأوقاف الصحية، الأوقاف المعاصرة، استدامة الأوقاف واستشراف مستقبل الأوقاف. طرح خلاله مختصون في مجال الأوقاف بمختلف أنواعها 15 ورقة عمل على مدى يومين، استعرضت عبرها تحديات العمل الوقفي وسبل تطويره وتنميته، انطلاقاً من رؤية واضحة قال الأستاذ عبدالله العجلان رئيس لجنة الأوقاف في غرفة الرياض إنها تنص "على تشجيع الأوقاف والقطاع غير الربحي للقيام بدورها الفاعل كشريك للتنمية، وتطويرها لتكون أكبر حجمًا وأكثر كفاءة، وإيجاد البيئة المحفزة لها، وتطوير التشريعات والتنظيمات، وتدريب العاملين في القطاع غير الربحي، لتحقق الأوقاف دورها في دعم مسيرة التعليم والثقافة والبحث العلمي وقطاع الصحة وكل المجالات التنموية". حيث "تعد الأوقاف أحد الروافد المهمة في البناء الحضاري والتنموي، ومصدرًا اقتصاديًا لتنمية المجتمع على مر التاريخ الإسلامي"، بحسب ما جاء في كلمته بالملتقى.

 

 

الصناديق الوقفية الاستثمارية، ومنتج الصكوك الوقفية، والصناديق الوقفية التنموية، والمركز الوطني للدراسات والبحوث الوقفية، ومراكز خدمات الأوقاف التي ستكون أحد المحفزات الرئيسية التي ستساعد على جلب واقفين جدد، أمثلة للعديد من المبادرات التي أطلقت في الملتقى بغية إسهامها في خدمة وتطوير الأوقاف، والتي أريد لها أن تدخل أكثر في النطاق الاستثماري بهدف ضمان مستوى أعلى من الاستدامة الوقفية، هذا من جهة، ومن أخرى المساهمة في حل مشكلة البطالة بتشغيل شباب الخريجين في هذا القطاع الاقتصادي الحيوي.

 

 

وتلك الجهة لها محاذير نوقشت أيضاً من خلال ورقة أ. أحمد بن محمد المنيفي، ضمن محور "استدامة الأوقاف" بعنوان "إدارة المخاطر في الأوقاف"، تتضمنت استعراضاً لمخاطر الاستثمار الأوقافي باعتباره استثمار طويل الأجل يتطلب تحقيق أرباح موزعة تتناسب كقيمة وفترة زمنية مع احتياجات مستقبلية، علاوة على التشريعات والأنظمة ومخاطر استثمارية وأخرى إدارية تتمحور في عدم وجود كادر إداري وتشغيلي يعتمد على تطبيق السياسات والإجراءات، بحسب كلمة المنيفي.

 

 

وبالجملة، فما رشح من خلال توصيات الملتقى، والتي يتوقع أن تجد طريقها للتنفيذ نظراً لحرص القائمين على الملتقى على إنجاحه وتفعيلها من أجل تطوير العمل الوقفي، أن ثمة توجهاً قوياً لجعل القطاع الوقفي أكثر استدامة واستثماراً وتطوراً، ونزوعاً إلى طرق مجالات تعد فقيرة العمل الوقفي، كالوقف الطبي، وزيادة حجم القطاع الوقفي وإسهامه في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والطبية.