11 شعبان 1441

السؤال

كنت ألج موقعاً إباحياً، والحمد لله لم أعد أدخل إليه، إلا أنني سمعت بأن كل من دخل موقعاً إباحياً سيتم فضحه، ولكنني لم أقم بالتسجيل في أيٍّ من تلك الموقع، وأنا الآن خائفة من أن يفضح أمري أمام عائلتي، فأريد حلا بسرعة.

أجاب عنها:
د. صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد:
أختي السائلة الكريمة أشكر لك حرصك واهتمامك بطرح مشكلتك، وطلب المساعدة في إيجاد حلول لها..

 

أما بخصوص ما تعانين منه فهو للأسف قد تحول إلى ظاهرة قد عمَّت كثيراً من البيوت والأسر، بسبب انتشار الجهل والأمية، وسوء استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة الاستخدام الإيجابي المثمر، وبسبب تدهور مستوى التربية والتعليم، ونقص في المراقبة المستمرة داخل البيت والأسرة والمؤسسات التعليمية، وضعف الوازع الديني والأخلاقي بسبب إهمال الأسر لوظيفتهم في التربية والتكوين وتوجيه الأبناء التوجيه الذي يقوي ارتباطهم بالالتزامات الشرعية وتطبيق أحكام الشريعة..
 

إن الشعور النفسي بالألم والندم شيء إيجابي، فإن الندم توبة، والخوف من الفضيحة نتيجة المعصية دليل على الندم على فعلها.
والذي أنصحك به أختي الكريمة هو ما يلي:
أولا: وجِّهي اهتمامك خلال هذه المرحلة إلى ما هو أهم من شعورك بالقلق والخوف من اكتشاف أمرك أمام أسرتك، خاصة وأنك قد توقفت عن ولوج تلك المواقع الإباحية، وهذه خطوة إيجابية في طريق التوبة وإصلاح ذاتك، فلا داعي لتعكِّري صفو حياتك بالتفكير السلبي في اكتشاف أهلك لتلك الحقيقة لأنها صارت من الماضي، وإلا ستظلين في دوامة من الصراع النفسي الذي قد ينعكس سلبا على كل إنجازاتك في الحاضر والمستقبل..

 

ثانيا: احرصي على التوبة النصوح والتخلي عن أي ارتباط أو تواصل بتلك المواقع الإباحية، ليس خوفا من أسرتك إنما خوفا من الله وطاعة لله، ورغَبًا في مثوبته وخشية من عقابه، وحِفْظًا لتلك الأمانة التي استخلفنا الله عليها جميعا، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} [سورة الأحزاب:72].
فأنت مسؤولة عن حفظ أمانة الدين بإخلاصك في عبوديتك لله بامتثالك لأوامره واجتنابك لنواهيه، وأنت مسؤولة عن حفظ نفسك التي بين جنبيك وحواسك الخمس وكل جوارحك، وأنت مسؤولة عن حفظ أمانة التكليف بأداء الحقوق والواجبات والالتزام بالحدود والضوابط الشرعية.. مصداقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:27-28].

 

ثالثا: امْلَئي عقلك وقلبك بمحبة الله والتعلق باليقين والثقة بالله، وأنه سبحانه أحَقُّ بأن تسْتحي منه وتخْشَي عقابه وغضبه، وهذا الشعور سيقوِّي لديك الإحساس برقابة الله في السر والعلن، وسيدعوك إلى الالتزام بضوابط الشرع وأحكامه، وسلوك طريق الهداية والاستقامة، والحرص على الطاعات وتجنب مواطن ارتكاب الذنوب والمعاصي، ومراتع الزلل والانحراف..
وثِقي بأن من تذوق لذة القرب من الله هانت عليه كل لذَّةٍ ساقطة، ومن عرف حلاوة التذلُّل والافتقار والخوف من الله هانَ عليه كل خوف يعتريه وكل تعلُّقٍ بعباده الفقراء الذين لا يملكون من أمرهم حلا ولا عقدا ولا ضرا ولا نفعا، ومن عرف رقابة الله لزِمَ حياضَ الإيمان والمعرفة وتحصَّن بالذكر وحبل الله المتين، وحمل نفسه على المجاهدة والمصابرة على طاعته، وأخذ بأسباب القرب منه بالأعمال الصالحة، فزكَت نفسه وسمَت فكان من الفالحين: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [سورة الشمس:9-10].

 

رابعا: لا تفكري فيما قد يحدث في المستقبل فالله سيكفيك أمره، فهو العالم بخلجات النفس وأسرار القلوب، وهو من بيده أن يحصِّنها بالستر، أو يكشف أمرها ويفضح سريرتها، قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر:19]، وهو سبحانه حليم ستير، فعَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيّ سِتّيرٌ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ"..
 

ومن كرمه ورحمته بك أنه ستر أمرك عن الجميع، ولم يفضحك خلال تلك المدة التي كنت تلجين فيها تلك المواقع، فالأولى بك في هذه المرحلة أن تستري نفسك بسِتْر الطاعة، وسِتْر الالتزام والتكليف، وهذا يحتاج منك إلى إرادة قوية تدفع إرادة الشيطان الضعيفة، وتصرف عنك أهواء النفس ونزعاتِ الطبع الذي يناقض التكليف، ويحررك من تلك القوقعة المظلمة التي تجعل مدار تفكيرك يقف عند حلقة الماضي والخوف من المستقبل، والاستغراق في هواجس القلق الذي من شأنه أن يفقدك السيطرة على الحاضر، ويشلَّ تفكيرك فيما يعود عليك بالنفع والفائدة، ويعطِّل قدراتك ومؤهلاتك في حياتك الحاضرة، فلا حسرة على ما فاتك في الماضي، إنما الحسرة على ما قد يفوتك في الحاضر والمستقبل لو أنت قصرت أو فرطت في حق أو واجب من حقوق الله والعباد..
الأمر الأهم في ذلك بعد توبتك وندمك، أن تسألي الله سبحانه الستر، وتلحي في الدعاء والرجاء.

 

هذه هي المبادئ الأساسية التي أريدك - أختي الكريمة - أن تشغلي نفسك بها خلال هذه المرحلة، والتي من شأنها أن تشحذ همتك وطاقتك الإيمانية للعمل الجاد والملتزم بالسعي لتحقيق النجاح والتميز والإبداع، واستغلال مؤهلاتك فيما يعود عليك وعلى المجتمع بالنفع والنماء، وبناء مستقبلك بصورة مشرقة ومشرِّفة، وتقوية شخصيتك بالتزود بالعلوم الدينية والعلوم الدنيوية، وتطوير مهاراتك الذاتية التي تقيم قواعد الأساس لبناء شخصيتك البناء القوي المتين الذي يُلبسك لباس الوقار والطمأنينة والثقة بالنفس، ويحقق لك التوازن النفسي والاستقرار من داخلك والتحكُّم في في علاقاتك مع المحيطين بك..
 

أسأل الله العلي القدير أن يحصن نفسك من نزعات الشيطان وأهواء النفس، وأن يرزقك الستر والعفة ويمتعك بحياة طيبة كريمة..