4 ربيع الأول 1440

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. شيخ من فضلك أريد أن أستشيرك بموضوع بارك الله فيك وجزاك خيراً: هناك فتاة معي في الكلية في نفس الصف أعرفها منذ كانت صغيرة لكنني لم أكن أتحدث معها أو مع أي فتاة كانت، وهي لم تكن تعرفني، تعرَّفت علي ونحن الآن نتحدث فقط على "الفيس بوك" مع أنها معي في الصف لكنني لا أتحدث مع فتيات وهي الوحيدة التي أتحدث معها على النت.. هي الآن أختي في الله بكل معنى الكلمة أخوة لا أكثر، وهي تعتبرني أخاها الكبير ولكن نتحدث عبر رسائل "الفيس بوك" فقط؛ فهي ملتزمة وأنا ملتزم باذن الله.. حين نتحدث على "الفيس البوك" نطمئن على بعض نشكي همومنا لبعض فهي حياتها تعيسة فقد جعلها شاب تحبه وتركها لقد لعب بعواطفها مع هموم الدرس؛ فالكلية التي نحن فيها صعبة جدا، وأنا حياتي أصعب فقد دخلت عالم التجارة كأجير من عمر عشر سنوات، نحن من لبنان، كرهت الحياة والناس بسبب ما رأيته منهم فحتى الأخ يريد أن يأكل لحم أخيه! اللهم عافنا.. وصلت إلى مرحلة التوحد والاكتئاب؛ لذا هي تساعدني وتنصحني حين أكون متضايقاً وأنا أيضاً أساعدها وأنصحها حين تكون كذلك، ولقد تحسنت حالتنا النفسية قليلاً، كما أننا تقربنا إلى الله بالدين كثيراً - والحمد لله - فنحن نذكِّر بعضنا بالصلاة في وقتها وقراءة القرآن كل وقت فراغ وأذكار الصباح والمساء، والتسبيح، حتى أصبحنا لا نترك وقتاً إلا ونذكر فيه الله، ولله الحمد.. هذه هي قصتنا.. أريد أن أسأل: هل هذه الأخوة التي بيننا مسموحة شرعا؟؟ هل يجوز لنا أن نتحدث برسائل نصية؟ مع العلم أننا لا نتكلم في شيء غير أخلاقي أو محرَّم مهما كان صغيراً.. أيضا أريد أن أسأل: هي الآن قالت لي - حين ذكَّرتها بقراءة القرآن-: إنها لا تستطيع ذلك لسبب خاص، طبعاً لم أطلب منها أن تخبرني ما هو، وهي لم تخبرني؛ فقد يكون سبباً متعلقاً بالنساء، فهل يمكنني قراءة القرآن عنها وتأخذ هي الحسنات؟؟ أيضا نحن نصوم كثيراً - والحمد لله - هل يمكنني أن أصوم عنها - طبعاً في غير رمضان - إذا لم تستطع أن تصوم؟؟ شكرا لك وجزاك الله خيراً.. لو سمحت، لا تقل لي: تزوجها؛ فهي أصبحت مثل أختي تماماً، كما أن وضعي المادي لا يسمح لي بذلك، وما زلت أتعلم.. بارك الله فيك وجزاك خيراً.

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد فإن الله تعالى قد جعل في الطبيعة خواصاً فيها مصالح وبها يكون قوام الحياة، يمكن أن تسخر في الخير ويمكن أن تسخر في غيره.
 

فجعل في النار -مثالًا- خاصية الإحراق، وجعل في الوقود قابلية الاشتعال، ثم قد يستعمل ذلك في وجه يكون به نفع وقد يستعمل على وجه يكون به ضرر.
 

ومقصودي من هذا المثال أن تعلم أن مما جعله الله تعالى في طبائع النفوس ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل، وهذا الميل ميل قوي مركوز في فطر الأسوياء من الجنسين، مصلحته عظيمة فقد أناط الله تعالى عليه مصلحة بقاء الجنس البشري بل الأحياء، ولابد للإنسان أن يشبع هذا الميل على نحو ما.
 

ولأجل ضبطه من الانفلات جاءت التشريعات الإسلامية بالأمر بالزواج، ومنع الزنا، وكذلك مقدماته، ومنعت ما يستثير الجنسين كالاختلاط غير المنضبط، وخروج المرأة متبرجة، أو متطيبة، وغير ذلك، كما وضعت عقوبات حتى لا يتجرأ الناس على حدود الله، ومن أسباب ذلك كله أن الميل بين الجنسين طبعي، كما أنك إن وضعت النار بقرب الوقود فمن البدهي أن تتوقع شراً، فكذلك إذا تكررت الخلطة وسقطت الكلفة بين الرجل والمرأة، فداعي الطبع للميل قوي، وقد نهى الله تعالى خير النساء اللاتي وجدن في خير جيل عن الخضوع بالقول، وحذر من مغبته فقال: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 32].
 

وأنت كما ذكرت عن نفسك إنسان ملتزم، وكذلك الأخت المذكورة، وإذا كنتما كذلك فمن البدهي ألا يزين لك الشيطان السوء دفعة واحدة! وقد أخبرنا الله تعالى أنه يستدرج وأن له في كيده خطوات توصل إلى محرم، ثم نهانا عن اتباع تلك الخطوات لاحظ لم ينه عن محرم واحد نهائي بل نهى أيضاً عن الخطوات الموصلة إليه! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21].
 

وأنا أستشف مما ذكرته هنا أن بينك وبين الأخت المذكورة نوع ارتباط عاطفي، ربما لُبِّس عليك فأسميته أخوة في الله! ولو كان الأمر كذلك حقاً لما كانت لهذه البنت بالنسبة لك خصوصية، فهي وكل بنت مسلمة تعيش هموماً أكبر في أقصى مجاهل أفريقية -مثلاً- سواء! فلماذا تميل إلى هذه وتحادثها؟ بل لماذا لا تميل إلى إخوانك في الله كميلك إلى هذه وهم أكثر وهمومهم حولك ومآسي كثير منهم كبيرة تراها على الشاشات وتعرفها من وسائل الإعلام.
 

لنكن واقعيين أنت تعيش نوعاً من الاستملاح والاستلطاف لهذه الأخت، ولهذا تبث لها همومك، وتشكو لها حالك، وتتطلع لمعرفة أحوالها، وتحاول أن تصلح من حالها، وإن سقط ذلك من حساباتك -ربما- وسط كثير من التواصي بالخير والتواصي بالصبر!
وأيا ما كان فالميل بين الجنسين طبعي غير الطبيعي هو عدم وجوده مع كثرة التواصل. وهذا هو المهم الأول: أعني أن تصدق في تشخيص حالتك، ولا تموه عنها.

 

وأما المهم الثاني فبيان الطريق الشرعي الذي يجب عليك أن تسلكه. أما الذي يقطع الشر فكما جاء في الحديث: (لم ير للمتاحبين مثل النكاح)، ولا تقل لي وأنت تسألني: "لا تقل لي تزوجها"! أتريدني أن أنصحك بما تحب وأضحك على نفسي وعليك، أو أنصحك بما أرى فيه مصلحتك؟! نعم إن استطعت الزواج منها ولو بعقد شرعي مع تأجل الدخول بها فهذا طريق حسم الشبهات الأقصر الذي أراه واجباً عليك أو يكاد.
 

إن تقدمت إلى أهلها فرددت وتعذر هذا عليك، فاعلم أن هذه الأخت أجنبية عنك، لا يسوِّغ كونها أختاً لك في الله التحدث بالفضول إليها، أو كما يقال الفضفضة، وبث الأحزان والأشجان، أو المشاكل، لا يسوغ كونها أختاً لك في الله أن تبادلها مشاعر التعاطف والتراحم، فإن هذا كله لا يكون بغير الخضوع في القول الذي نهى الله عنه! كل ذلك من اتباع خطوات الشيطان التي حذرك الله من اتباعها! نحن لا نحرم عليك ما أباحه الله، فلا نمنعك من محادثة أجنبية في حاجة دنيوية، من نحو بيع وشراء، أو في حاجة دينية من نحو صلة رحم وسؤال تقتضيه قرابة، لكن ما نحذرك منه الحديث في فضول؛ تبادل أشجان وعواطف، بث هموم وأحزان، خضوع بالسؤال عن أحوال وأخبار! فضول لا دخل لك بها! فلا ضرورة ولا حاجة تدعوك إلى معرفتها.
 

نحذرك من شَرَكِ الشيطان الذي نصبه لك فسوغ لك ما لا يجوز بخلطه بقليل مما يجوز -في ظاهره- كأمر بصلاة أو قراءة قرآن مع أنه حتى هذه قد كادك فيها! وذلك أن الأمر بالصلاة والأمر بتلاوة كتاب الله لا يختص بهذه الأخت! فلو كان مشروعاً في حقك فذلك لكل من في الجامعة معك من إخوة وأخوات! فلماذا تخص هذه وتترك من هم أولى وأحوج إلى التذكير إن لم يكن في النفس هوى وفي النية دخل؟!
 

أخي الكريم أتراه يسرك أن يخاطب غيرك من عامة الشباب (المتدين) هذه الفتاة بما تخاطبها به؟ أيسرك أن تبث لشاب غيرك ما تبثه لك؟ بدعوى الأخوة في الله! لا أظن ذلك! فانتبه لنفسك وصحح مسارك وإلاّ فاضبط تعاملك مع هذه الفتاة كأي مسلمة أجنبية هي أخت لك في الله مقصرة كانت أو ملتزمة!
 

وفي الختام أنبهك إلى أن الصوم عنها وقت العذر أو قراءة القرآن، وقل كذلك الصلاة، كل ذلك مما لا يجوز لك ولا يشرع، بل هو بدعة، وهي إن كانت معذورة ونيتها صالحة فالله يكتب لها الأجر موفوراً بفضله.
وفقك الله وسددك، وأصلح بالك وأرشدك.