السؤال
معلم كان يدرّس في مدينة كبيرة فيها علماء؛ وكان يطلب العلم، ثم انتقل إلى قريته عند والده؛ فافتقد مجالس العلم وطلابه؛ ويفكر هل ينتقل للمدينة لطلب العلم و يترك والده؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وبعد: فلا شك أن بر الوالدين وطلب العلم، مطلب مهم في حياة المسلم، فاحذر أن تتساهل في بر والديك، ولا ينبغي إهمال طلب العلم لمن قدر عليه واحتاج إليه، ومتى استغنى الوالد عنك بعينك، وأذن لك، فلك ما أردت مع ضرورة التواصل معه بكل وسيلة متاحة، ومتابعة زيارته، وقضاء حوائجه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن لم يستغنِ عنك، فيلزمك البقاء معه وهذا هو حقيقة البر، وأبشر، فسوف يُجْزِلُ الله لك العطاء، صحّ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه"(1). وأنت حين تلزم والدك ابتغاء وجه الله _عز وجل_، سوف يُبارك لك في علمك ودعوتك، ولك قدوة بمن سلف، فهذا المحدث بُندار، قال عنه الذهبي: "جمع حديث البصرة، ولم يرحل، براً بأُمّه..."(2)، وقال بُندار: "أردت الخروج – يعني الرحلة – فمنعتني أمّي، فأطعتُها، فبُورك لي فيه"(3). فافهم ذلك جيداً. وعلى كلٍّ فمتى انتقلت إلى المدينة الكبيرة لطلب العلم، ينبغي أن تقسم زمانك المستقبلي، زمن طلب وزمن عمل، وتضع لك خطة زمنية تُنهي فيها علوماً مخصّصة، وتحدّد علماء ومشايخ للدراسة عندهم، وتنتهج آلية في الحفظ والفهم والضبط والمراجعة. وإن لم تفعل، طال عليك الأمد، ومللت الطريق، ولا يُدرى ما عاقبة أمرك! وأما إذا بقيت في مدينة والدك "المدينة الصغيرة" فلا يعني ذلك ترك طلب العلم، وتحتج بوصية النبي _صلى الله عليه وسلم_ لبعض أصحابه "يا ثوبان، لا تسكن الكفور، فإن ساكن الكفور كساكن القبور" قال أحمد – يعني بن عاصم، شيخ المؤلف – الكفور القرى(4). واحذر أن تقول "العمل صعب، طلب العلم غير ممكن، التواصل مع العلماء متعب، لا، لا تقل شيئاً، بل اللائق بك أن تجمع نفسك كلية على حضور مجالس العلماء وطلاب العلم فالوسائل متاحة ، و التكاليف قليلة ، و الأوقات واسعة ، تنتظر من يعملها و يستخدمها على وجهها الصحيح ، اسمعْ أشرطة الشروح العلمية، والمحاضرات الدعوية، والحوارات الهادفة، نوّع مهاراتك الإبداعية، ثم تخصّصْ فيما تميل إليه وتبدع فيه، وتواصل مع أهل الشأن فيه، مع ضرورة العمل بما تعلّمت، وبعد سنوات قليلة، سترى إنتاجية جيدة من طلاب العلم، وهكذا تصبح المدينة الصغيرة، مدينة كبيرة، على أيدي علماء عاملين، فهل أنت منهم؟ وفقك الله لما يحب ويرضى، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين. _______________ (1) مسند أحمد رقم "23074" ج38 ص 170، الضعيفة، للألباني ج1 ص 19. (2) سير أعلام النبلاء، للذهبي ج12 ص 144. (3) سير أعلام النبلاء، للذهبي ج12 ص 145. (4) الأدب المفرد، للبخاري رقم "579" ص 203، صحيح الأدب المفرد، للألباني رقم "451" ص 217.