24 صفر 1428

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته<BR>أنا طالب في الجامعة، أبي دائماً يقول لي: لماذا لا تشتغل مثل الناس.. انظر إلى فلان وفلان.. مع العلم أني مشرف حلقة تحفيظ، ولا أريد أن انشغل عنها.<BR>أرجوا أن تفيدوني في ذلك، جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
د. محمد العتيق

الجواب

أشكر لك تواصلك مع الموقع وثقتك بالقائمين عليه وأسال الله أن يعيننا وإياك ويوفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا. يبدو من سؤالك أن لديك من المشاغل ما يمنعك عن فعل المزيد وهي الدراسة الجامعية والإشراف على حلقة التحفيظ. ولا شك أن في هذين العملين - إن كنت تؤديهما على الوجه المطلوب - من الانشغال وبذل النفس ما يجعل وقتك مليئا وجهدك مستنفذا طوال الوقت. ولكن دعني وإياك نسأل هنا: لماذا يطلب منك والدك أن تعمل وأن تكون مثل فلان وعلان؟ لا شك أن هناك سبباً في دعوته إياك لهذا الطلب! ربما: - يكون محتاجا ماليا ويرغب منك في أن تساعده من خلال وظيفة ثانوية تحصل منها على دخل مالي. - وربما يريد أن يتأكد من أن لديك من المهارات والقدرات على أداء الأعمال وتحمل الأعباء ما يشعره بالاطمئنان والرضا عنك. - وربما يرى أن عملك في الحلقة ليس له قيمة وأن عليك أن تشتغل بما هو أهم - وربما كان في ذهنه صورة نمطية عن الشاب الناجح رآها متحققة في فلان وعلان ولكنها ليست متحققة فيك. - وربما هو ليس راضيا عن بعض جوانب حياتك ويثير هذا الموضوع فقط لأجل أهداف أخرى في نفسه: (قد تكون مثلا مقصرا في حقه وفي حق بقية العائلة ومنشغلا عنه وعنهم فأثر ذلك فيه وأغضبه منك!) وربما هناك أسباب أخرى لا ندري عنها! ما هو موقف والدك من دراستك الجامعية؟ لم يرد في سؤالك ما يجيب عن هذا التساؤل! وعلى أية حال أحب أن أذكرك بما يلي: - حق والدك عليك في أن تستمع إليه وتقدر وجهة نظره وتبحث في إمكانية الاستجابة لما يطلبه منك بما يرضيه عنك وبما لا يؤثر في خططك ومشاريعك الشخصية. - يجب عليك أن تتوصل بطريقة ذكية ولبقة وغير مباشرة ومن خلال الأحاديث الودية بينك وبين والدك إلى السبب الحقيقي لما يطلبه منك. وربما تحتاج إلى وسيط حكيم لأجل ذلك. ولن تستطيع أن تصل إلى معالجة ناجحة وجذرية للموضوع ما لم تتضح لك الأمور على حقيقتها. - وبناء على ما تجده سببا حقيقا لطلب والدك منك، يمكنك أن تعالج الأمور وتتصرف بالطريقة المناسبة. فإن كانت هناك حاجة مالية فليس لك أن تتخلى عن مسئوليتك في مساعدة والدك ولتعلم أن كدك وتعبك – في وظيفة مسائية مثلا - لتوفير المال للأسرة ربما يعدل أو يفوق في فضله وأجره ما تقوم به من عمل خيري في حلقة التحفيظ. وإن كان السبب هو عدم قناعة أبيك بما لديك من قدرات وبما تتمتع به من مهارات فلتره من نفسك خيرا، ولتثبت له بطريقة واضحة أنك على مستوى التحدي وأنه يمكنك تحمل المسئولة والقيام بالمطلوب عند الحاجة، وتأدية المهام التي تناط بك على أفضل وجه. ويمكنك لأجل ذلك أن تستغل المناسبات التي تمر بها العائلة مثلا أو تتطوع من وقت لآخر في أن تؤدي أعمال والدك أو إخوانك بدلا عنهم. وإن كان السبب هو إعراضك عن عائلتك بسبب انشغالك بالدراسة وبحلقة التحفيظ فان عليك أن تؤدي حقوق أهلك عليك، وأعلم أن كثيرا من الشباب يقعون في هذا الخطأ، في غفلة أو تجاهل. ومع الوقت تتسع الهوة بين الشاب الملتزم وبين أهله وتستوحش النفوس ويغدو البيت له كأنه الفندق للنوم وللأكل فقط. وهذا تصرف مع أنه يخالف الأصول الاجتماعية فإنه يخالف الواجبات الشرعية والآداب المرعية. فعليك أن تتدارك نفسك، إن كنت وقعت فعلا في هذا الخطأ، وتعطي لأهلك كما تعطي لغيرهم خارج البيت - بل أكثر - من مثل المجالسة والمسامرة والترويح وقضاء الاحتياجات ومشاركة الاهتمامات. وإن كان لدى والدك تصورا منقوصا عن النجاح في الحياة وحقيقة التميز عند الشباب، فلا يرى من ذلك إلا جوانب محدودة كما هي في فلان وعلان، فإن عليك أن توضح له حقيقة الأمر، بنفسك أو من بواسطة غيرك ممن يمكن أن يقبل منهم والدك وجهات النظر ويقدرها. عليك أن تبين له أن في طبائع الناس ومهاراتهم وقدراتهم من الاختلاف الشيء العظيم وأنه بناء على ذلك تختلف توجهات الناس ورغباتهم ومجالات النجاح التي يمكن أن يبرزوا فيها. وكل ميسر لما خلق له. فمن الناس من يكون نجاحه وإبداعه في المجال التجاري ولو جرب شيئا غيره لفشل. ومنهم من يكون تميزه في الكتابة والرواية ومنهم غير ذلك وهذا معلوم ومشاهد في واقع الحياة وفي حقيقة الناس ومعيشتهم. آمل أن يكون فيما سبق عونا لك في الوصول إلى حل لمشكلتك.. وفقنا الله وإياك لكل خير.