3 ذو الحجه 1427

السؤال

من قول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحق لا أعلم غير هذا فعلمني.<BR>هل هنا أمر تربوي في التعليم؟

أجاب عنها:
فهد السيف

الجواب

ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة _رضي الله عنه_: "أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله _صلى الله عليه وسلم_ جالس فيه فرد عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل. فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم علي النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرد عليه السلام ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي _صلى الله عليه وسلم_ فرد عليه السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات، فقال في الثالثة: والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني. فقال: _صلى الله عليه وسلم_ إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، وافعل ذلك في صلاتك كلها". أفهم من سؤالك أنك تستكشف بعض المواضع التربوية والتعليمية في هذا الحديث، وها هنا أقف معك لتلمس هذه اللمسات التربوية من هدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو أكمل الهدي. 1- لعل أبرز ما يشد انتباه القارئ للحديث أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يباشر التعليم المباشر، ولم يسع إلى التعليم من أول مرة، وإنما صبر حتى هيَّأ المستقبِل لاستقبال التعليم، وهذا أسلوب يسمى: أسلوب التشويق، ولك أن تتأمل هذا الرجل كيف كان تَلَقِّيه للتعليم بعد أن تركه يحاول عدة مرات، حتى صار مشتاقا لتعلم الكيفية الصحيحة، هذا على الرغم أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان قادرا على أن يقول له من أول مرة إنك صلاتك بهذه الكيفية غير صحيحة، والكيفية الصحيحة هي كذا وكذا، لكنه استخدم الأسلوب الأكثر بقاء. 2- أيضا تأمل كيف كان تعليم النبي _صلى الله عليه وسلم_ رفيقا رقيقا، فلم يعنفه أو يشدد في الإنكار عليه، على رغم أن خطأه كان في ركن من أركان الإسلام لا يقبل إلا به، وهو الطمأنينة، وكثيرون يعنفون على العصاة فيما دون ذلك بأشد من هذا الأسلوب، وهذا هو المربي الأول _صلى الله عليه وسلم_ يعلمنا كيف يكون الرفق في التعليم، وقبله كان موسى عليه السلام يتعامل مع أطغى طغاة الأرض وهو فرعون كما أمره ربه "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" وقد حكى النبي _صلى الله عليه وسلم_ نبيا ضربه قومه فأدموه فمسح الدم عن وجهه وقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. 3- التربية بالحدث أو التربية العملية أجدر الأساليب على البقاء والرسوخ، وهكذا حدث هنا، بل كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ كثيرا ما يعامل أصحابه بهذا الأسلوب، فيستغل الفرص، ويستغل المواقف، فأحداث غزوة أحد على سبيل المثال كانت مثالا بالغا في التربية بالحدث، ولم تكن لتمر هكذا دون تعليق رباني كما في سورة آل عمران، التي عالجت الموقف بأروع صورة، وكان لها أثر كبير في نفوسهم. 4- سؤال: من هو هذا الرجل؟ لم تذكر الأحاديث اسمه، حتى لو اجتهد بعض العلماء في البحث عن اسمه فإن اسمه يبقى غير معروف ولا مشهور، وذلك لما تربى عليه الصحابة ومنهم أبو هريرة _رضي الله عنه_ راوي الحديث من الستر على المسلم حتى لو كان عاصيا، ولم يكن ثمة فائدة من ذكر اسمه، وهكذا ينبغي أن نتعامل مع العصاة، فنستر عليهم ونرحمهم ولا نشهر بهم، لأن إشاعة المنكر يحدث منه إشاعة له وكونه شيئا عاديا مستساغا، وكذلك فيه قفل لباب التوبة عن هذا الرجل الذي فعل المنكر. 5- النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكله في البداية إلى علمه، ليعلم إن كانت المشكلة من عدم العلم، أو من العلم مع عدم العمل، ولكل واحدة أسلوب وطريق، فأمره بإحسان صلاته، وتعرف على مواطن الخلل، قال ابن رجب -رحمه الله- في الحديث: (وفيه: دليل على أن من أساء في الصلاة فإنه يؤمر بإحسان صلاته مجملا، حتى يتبين أنه جاهل، فيعلَّم ما جهله). 6- تأمل كيف كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ متابعا لصحابته حتى دون أن يلحظوا ذلك منه، ولم تكن المراقبة دقيقة بحيث يكون عملهم لوجهه لا لوجه الله تعالى، فكثيرا ما كان _صلى الله عليه وسلم_ يكلهم إلى أنفسهم، كما في قصة الثلاثة الذين خلفوا، قال ابن رجب -رحمه الله-: (وخرجه النسائي، عنده: فجعل رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يرمق صلاته، ولا يدري ما يعيب منها). لعلك أخي السائل أو غيرك من القراء الكرام حين تتأمل الحديث، أو تقرأ بعض الشروح ستجد ملحظاً تربوياً أو أكثر، وما ذكر مجرد إلماحة تربوية، ومواقف النبي _صلى الله عليه وسلم_ فيها عبر تربوية عميقة بحاجة إلى دراسة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.