29 رجب 1438

السؤال

أنا شاب كنت أعيش حياة مستهترة، لا صلاة ولا قرآن ولا شيء يستحق الذكر من صالح الأمور، حتى صرت أحس أني عبد لنفسي وللشهوات، ومع مرور الوقت كرهت هذه العبودية ثم كرهت نفسي لذلك وصارت أذل علي من أن ألجأ للدواء الذي وصفه الله لها، لأني بكل بساطة كرهت نفسي لمرحلة ما عدت أستطيع النظر إليها نظرة رحمة فكل ما أريده أن أنزل بها ما تستحقه من سخط وعقاب.. أرجوكم سيدي المساعدة فكل هذا يمزقني تمزيقاً مريراً.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الابن الكريم..

رحمة من الله سبحانه عظيمة ونعمة سابغة أن هداك لتعود إليه وتؤوب إلى رشدك وتندم على ما سبق من حياة مستهترة وأوقات ضائعة وعمر نازف.

 

والندم توبة كما في الحديث، والله سبحانه يتوب على العبد ويقبل توبته ما لم يغرغر غرغرة الرحيل.

 

والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتوبة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}.

 

بل إن الله سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن أشد فرحا من أحدنا ضلت عنه راحلته التي عليها طعامه وشرابه في أرض فلاة صحراء قاحلة حتى إذا أيس من الحياة واستسلم للموت وجدها عنده ففرح فرحاً شديداً كما في الحديث، ولله المثل الأعلى.

 

والله سبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، وكل هذه المعاني معان حديثية ثابتة.

 

والإنسان مركب متكامل من نفس وعقل وقلب وجوارح، والقلب هو قائد كل ذلك، فإن صلح صلحت كلها وإن فسد فسدت كلها.

وهذا القلب يمرض كما تمرض الأبدان، ويعتريه السقم، وقد يموت من كثرة الأمراض، وعلاجه ودواؤه هو الشرع العظيم الذي به الحياة والنور للإنسان.

 

يقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} الزخرف.

 

الابن السائل:

كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لجئتك بقرابها مغفرة".

 

فالحمد لله الذي وفقك لما أنت فيه الآن من الخير إذ تستغفر ربك وتتوب إليه وتندم على ذنبك وتعزم ألا تعود إليه..

 

أما ما ذكرته من رغبتك في عقاب نفسك، فكما قلت لك إن قلبك هذا الذي ثارت فيه ثورة التوبة والاستغفار لهو قلب طيب، وهو بالتبعية سيؤثر على باقي تكوينك كله، والنفس البشرية متقلبة وإنما تتأثر بحسب ما تعودها وتقرها.

 

فليكن منهجك مع نفسك ليس عقابها بل الحزم معها فيما يخص الهوى والشهوات، ثم مكافأتها بعد كل فضيلة أو إنجاز.

 

وأفضل ما تؤدب به النفوس سد الطريق لها نحو المعصية، وتضييق السبيل نحو الرغبة، ومعرفة حقائق الحياة، وكثرة ذكر اليوم الآخر ولحظات الرحيل، والمسارعة إلى العلم والذكر والإصلاح.

وفقك الله وسددك وتقبل منك.