17 رجب 1436

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا مهتم بشأن الدعوة في المدينة النبوية لدرجة أني مقصر بجانب نفسي وجانب أهلي.
كثرت علي الأعمال وأصبحت مشغولاً جداً بالدعوة وخاصة الشباب وفوق عاتقي أعمال وبرامج كثيرة.
أرى عزوف من هو أهل لحمل مسؤولية دعوة الشباب.
والآن أفكر بالتخلي عن الأمور الدعوية (ملتقى دعوي أسبوعي للشباب - جولات دعوية على الشباب في الأرصفة والمخططات - أكثر من 500شاب متواصل معه على الواتس - وطبع السيديهات الدعوية) ولا أجد من معين بل أجد المنتقد وحين أريد منه الإعانة والمشورة يتخلى.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأخ الكريم
شكر الله لك جهدك وعملك ووقتك وبذلك وعطاءك، وجعله في ميزان حسناتك، وشرح به صدرك ويسر أمرك ورفع قدرك.
وبعد:
فإن الدعوة إلى الله سبحانه أشرف الأعمال وأرفعها عند المليك الجبار سبحانه، قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
والدعاة إلى الله ودينه هم أصحاب الميراث الكريم، وهم الثابتون على صراط الأنبياء والصالحين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
لكن لي عندك بعض وقفات مهمة:
فإن ديننا أيها الكريم هو دين التوازن، ودين العدل والقسط، وفي الحديث الثابت: "إن لبدنك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً" واليك أصل الحديث:
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟ فقالتْ: أخوكَ أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنعَ له طعامًا، فقال له: كُلْ، فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكل حتى تأكُلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ، فقال: نم، فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال: سلمانُ: قُم الآن، فصلَّيَا، فقال له سلمانُ: إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ سلمانُ» أخرجه البخاري والترمذي.
ودعني ههنا أعاتبك في إهمالك أهلك وإتعابك نفسك لهذه الدرجة، ذلك أنك إن فعلت ذلك لن تستطيع أن تكمل طريقك الصالح الذي بدأت فيه، وستنكسر في أثنائه.
كذا فإن لبيتك عليك حقا، فما قيمة داعية يجتهد مع الناس وبيته خواء؟!
كذلك عاتب عليك كثيراً في انشغالك بالدعوة عن العلم، فالعلم هو الأساس الذي تنبني عليه دعوة المرء، والذين يهملون في تعلم العلم ويبذلون وقتهم في الدعوة يخطئون أكثر مما يصيبون بجهلهم، فعليك أن توازن بينهما موازنة تعطي العلم حقه وقدره.
كذلك عليك أن تتحمل في دعوتك ما تطيقه، وكيف تطيق أن تتواصل مع المئات كما تقول؟!
بل عليك أن توازن بين قدرتك وطاقتك وبين ما عليك أن تؤديه حتى لا تقصر فيه.
أما النقد وغيره الذي تتلقاه، فأعتقد أنك لو بصرت بنفسك وهدأت في شأنك، وأبدلت الحكمة بدلا من مجرد الحماس، فتدبرت شأنك ورتبت أوراقك من جديد وركزت على الأولويات سيتحسن حالك كثيراً.
واترك من ينتقد، وأحسن الظن فيه، وتعلم من نقدهم لك ولا تعتبره انتقاصا، فأنت تعمل لله سبحانه.
أما تفكيرك بالتخلي عن واجباتك الدعوية فهو أيضا نوع من اندفاع خاطئ، فالكبار لا يتخلون عن مقاعدهم لتغير الأجواء، بل يستمسكون بإنجازاتهم ويصلحون من أحوالهم بتدرج وخطوة خطوة..
وفقك الله ويسر لك أمرك.