20 صفر 1433

السؤال

أنا أريد أن أغير من شخصيتي فأنا أعتبر نفسي فاشلا في كثير من الأمور...
فأنا أتعامل مع الأمور بطيبة وبصدق نية ولكن تنقلب الأمور ضدي..
عندي تردد في اتخاذ القرارات حتى في أبسطها..
مشتت لا أستطيع أن أدير حياتي؟
أرشدوني بارك الله فيكم..!

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

مرحبا بك أخي الكريم في موقعك "المسلم" وأسأل الله تعالى أن يفتح على قلبك وروحك بالهدى والسداد، والسكينة والطمأنينة، والتوفيق لما يجب ويرضى جل وعلا. وشكر الله لك ثقتك بإخوانك، وسعيك في طلب النصيحة.
أخي الحبيب:
أبشر وثق بالله تعالى، وتوكل عليه وكنْ على يقين بأنه تعالى لن يردك خائبا؛ فها أنت تطرق باب النصيحة المبارك، وتسهم في تشخيص الداء بكلمات واضحة محددة تدل على شخصية جادة تعرف الداء وتطلب الدواء!
ولا تحسبن أخي أن هذه كلمات ألاطفك بها لمجرد التخفيف من وطأة همك؛ ولكن هذه هي النفس اللوّامة التي أقسم المولى تبارك وتعالى بها، فقال سبحانه: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} ومما جاء في تفسيرها: أنها نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه، من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق، أو غفلة.
وكان الزاهد الثقة وهيب بن الورد رحمه الله تعالى يقول: "إن من صلاح نفسي علمي بفسادها"!
وعلّق على ذلك بعض الدعاة المعاصرين بقوله: "فلا يزهدنك ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻴﻮب وﺗﺄﻣﻞ ﺳﺎﻟﺐ، ﺑﻞ انظرها ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺧﻄﻮة ﺿﺮورﻳﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﺻﻼح".
فإذا استقر ذلك في نفسك أخي؛ انتفى - بعون الله تعالى - الأثر السالب لاستشعارك المشكلة (من إحباط أو استحسار أو شدة أسى)، وبقيت بإذن الله الرغبة الصادقة التي تحيط بها الثقة بالله تعالى ثم بنفسك في تغيير هذه الأحوال التي تشتكيها، وهي بحسب قولك:
• التشتت في إدارة الحياة.
• التردد في اتخاذ القرارات.
• استشعارك للفشل وانقلاب الأمور ضدك بسبب التعامل بطيبة وصدق نية.
وأقول لك أخي مستعينا بالله تعالى:
لقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن يحدث التغيير برغبة المرء فيه وإرادته، كما أنه لا يتغير حال الإنسان إلا بسبب تغييره ما بنفسه، فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (الرعد:11).
قال الشيخ "السعدي" رحمه الله تعالى: "(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ) من النعمة والإحسان ورغد العيش (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله عند ذلك إياها.
وكذلك إذا غيّر العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة" اهـ.
فأنت الآن – أخي المبارك – خطوت الخطوة الأولى تجاه إصلاح نفسك؛ بعلمك بفساد بعض واقعها وعدم رضاك به، ثم أتبعت ذلك بالخطوة الثانية الرائعة وهي طلب النصيحة.
وها أنت الآن في ظلال هذه النفحات القرآنية العظيمة تخطو الخطوة الثالثة بالفهم والاستيعاب لهذه السنة التي سنّها الله في خلقه.
فامض قدما بخطوات حثيثة في تغيير هذا الواقع المرفوض: التردد والتشتت واستشعار الفشل.
فأما "التردد، والتشتت": فحسبك لهما الاقتداء بنبيك صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان لا يُخيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، كما في حديث أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، قالت: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري ومسلم.
وأضف إلى هذه القاعدة المباركة سنة عظيمة يغفل عنها كثير من الناس، وهي الاستخارة، مع أنها مفتاح النجاح وسر البركة والفلاح (كما عنون لها شيخ كريم في كتاب لطيف عنها)، فعن جابر – رضي الله عنه – قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كالسورة من القرآن: "إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، أستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال : في عاجل أمري وآجله – فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال : في عاجل أمري وآجله – فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدُر لي الخير حيث كان، ثم رَضِّني به، ويسمي حاجته" رواه البخاري .
فهذا المنهج النبوي الكريم في مواجهة التردد والتشتت في اختيار الأمور؛ باختيار الأيسر ما لم يكن إثما، والاستخارة عند كل أمر تهمّ به، نبراس يضيء لك الدرب، ويزيل عنك الهم والكرب، بإذن الله تعالى؛ فأنت تأوي وتفوض أمرك إلى ركن شديد جل وعلا.
وأما الطيبة وصدق النية؛ فلن يأتيا إلا بخير، ولكن المسلم كيّس فطن، يتغافل عن بعض ما يلقاه من الناس ويتساهل فيما لاحرج فيه؛ احتسابا لا انخداعا، وقد جاء عن بعض السلف رحمهم الله: "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل"! بل قال الشافعي رحمه الله تعالى: "الكيس العاقل هو الفطن المتغافل"!
وفي درر الشعر:
ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابي!
فلا تجزع أخي.. فإنما هذه الطيبة وصفاء القلب وما جُبلت عليه من خير.. من كرم النفوس وباب إلى رضوان الجليل، ما لم يكن في الأمر إثم أو ضيم أو مهانة، لا سمح الله، وما دمت محتسبا ترجو من الله الأجر.
لكن يوازي ذلك يقظة وإدراك، وتقدير متوازن للناس والمواقف والعواقب، كما قال الشاعر:
تغافل ولا تغفل فما ساد غافل وكــن فطناً مستيقظاً متغافــــلا
ولعل مما يجلّي لك هذا المعنى قول إياس بن معاوية رحمه الله: "لست بخب، والخب لا يخدعني"!
فهذه إضاءات أتمنى أن تمنحك شعاعا من النور على درب الخير والفلاح وإصلاح شأنك.
وتحتاج معها بالضرورة إلى إعادة الترتيب والتنظيم لأمورك وحياتك، وتحديد جداول أولوياتك ومهماتك، دنيا وأخرى، ووضع خطط عملية محددة للنجاح في شتى محاور حياتك: مهنية واجتماعية واقتصادية ودعوية، فلا تدع الأيام والليالي تتصرم عنك دون هدف طموح تسعى إليه.
وكلما نجحت خطة أتبعتها بأخرى، وشعارك: ما فاتك فأدركه، فإن أدركته فاسبقه!
فتأمل في شأنك وتوكل على ربك وأكثر من الدعاء بطلب العون منه سبحانه، فما توفيقك إلا به جل وعلا.
والزم صدق النية وحسن الخلق، مع يقظة وفطنة، واحتساب للأجر من المولى.
وأتمنى عليك أن توافينا بأخبارك بعد شهر أو أشهر؛ لتسمعنا ما يسرنا عن التجديد والتغيير في حياتك.
وفقك الله وجعلك مباركا حيثما كنت.