5 رجب 1432

السؤال

هل كان السلف يعرفون السياحة بمعناها الحالي؟
وعلى ماذا تُحمل الأبيات الشعرية الكثيرة التي تدعو للسفر والتغرب عن الوطن، كمثل قول الشاعر: سافر ففي الأسفار خمس فوائد.

أجاب عنها:
د. عبد الله الجبرين رحمه الله

الجواب

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإذا أُريد بالسياحة ما يعرف بسفر النزهة، والتقلب في الديار لأجل الفُرجة، فهذا لم يكن مشهوراً في زمن السلف، وإنما المعروف السفر لطلب العلم، أو لزيارة الصالحين، أو لالتماس الرزق الحلال والكسب المباح، وقد كثر النقل عن السلف في تنقلهم، وكثرة أسفارهم للتعلم، كما ذكر عن الخطيب البغدادي حيث غاب عن بغداد نحو أربعين عاماً، وهكذا فعل ابن منده، وذلك في التزود من العلم، وهكذا من هرب من بلده إذا كثر فيها الفساد، كما فعل الخرقي في انتقاله من العراق لما كثر فيها سب الصحابة رضي الله عنهم، وقد يدخل في ذلك السفر للجهاد، وهو غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهكذا السفر للدعوة إلى الله تعالى، وقد قص الله علينا سفر موسى إلى مجمع البحرين للتزود من العلم الذي يوجد عند من هو أعلم منه، وكذا سفر ذي القرنين حتى بلغ مغرب الشمس، ثم بلغ شروق الشمس، وذلك للدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ شريعته، وقد كثر أيضاً الانتقال إلى البلاد النائية لطلب الرزق، وهكذا الأسفار والضرب في الأرض للتجارة، وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (المزمل: من الآية20) أي يسافرون لطلب المال الحلال، وعلى هذا يحمل ما روي من النظم في فائدة التغرب والسفر؛ كقول الشاعر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا *** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّج هَمٍّ، واكتسابُ معيشة *** وعلمٌ، وآدابٌ، وصحبةُ ماجد
مع ما كان السفر عليه إذ ذاك من المشقة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وراحته، فإذا قضى نهمته فليسرع الفيئة" أو كما قال، رواه مسلم(1). وقد سهلت الأسفار في هذا الزمان وزالت تلك الصعوبات، وقربت المسافات الطويلة، وقال الشاعر في ترك البلاد:
إذا ما ضاق صدرك من بلاد *** ترحل طالباً أرضاً سواها
فإنك واجد أرضاً بأرض *** وتفسك لم تجد نفساً سواها
مع ما جبلت الأنفس عليه من حب البلاد، حتى قال بعض الشعراء:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنيه أبداً لأول منزل
وقال آخر:
لَقُرب الدار في الإقتار خير *** من العيش الموسع في اغتراب
وقال آخر:
إن القريب وإن أقام ببلدة *** يهدى إليه خراجها لغريب
وقال آخر:
غريب يقاسي الهم في أرض غربة *** فيا رب قرِّب دار كل غريب
وقال آخر:
إن الغريب وإن ألم ببلدة *** كتبت أنامله على الحيطان
فتراه يكتب والغرام يسوقه *** والشوق قائده إلى الأوطان
وقال آخر:
وأنزلني طول النوى دار غربة *** إذا شئت لاقيت امرءً لا أشكاله
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
______________
(1) برقم (1927).