28 جمادى الثانية 1437

السؤال

هل نزول ربنا -عز وجل- في السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل يحدث في ليل على حسب كل بلد؟ لأن البعض يقول: كيف يعقل ذلك في زماننا مع علم الجميع بأن الدول العالمية تختلف بينها الساعات والأوقات من ليل ونهار كما هو مشاهد! وكيف ينزل ربنا في السعودية مثلاً في ليلة والشمس قد أشرقت في اليابان، ثم بعد وقت سينزل في روما أو بولندا أو الولايات المتحدة الأميركية أو غيرها بعد مضي أثلاث الليل في كل من تلك الدول التي يتعاقب فيها الليل، وهكذا إلى أن تشرق الشمس على الجميع؟ فكان الأولى أن يؤول نزول الباري بنزول رحمته أو أمره.
ما رأيكم بهذا؟

أجاب عنها:
أ.د. عبدالله عمر الدميجي

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالذي أخبرنا بنزوله تعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر هو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والواجب التسليم بخبر الصادق صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأحاديث الصحيحة المتواترة.
ولا شك أن ثلث الليل الآخر يختلف من قُطر إلى قُطْر كما هو مشاهد ومحسوس، والاعتراف المذكور يرد على النزول الإلهي لو كان من جنس نزولنا نحن البشر، ولكن يجب أن نعلم أن نزول الرب تبارك وتعالى يختلف في كيفيته عن نزول البشر؛ لأنه تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: من الآية11)؛ فلا ترد عليه اللوازم اللازمة للنزول البشري ولا يجوز أن نقيس الله تعالى بالمخلوقين وصفاتهم؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل: من الآية74).
فنزول الرب تعالى ثابت بالنصوص وهو نزول يليق بجلاله وعظمته ولا يشبه نزول المخلوقين فالنزول متحقق في كل قُطر في ثلث ليله الآخر ولا يلزم من ذلك خلو عرشه سبحانه ولا عدم علوه على خلقه لأننا نؤمن بالصفة ونجهل الكيفية مع اعتقادنا بأنها لا تشبه صفات المخلوقين كما قال الإمام مالك في الاستواء: (الاستواء معلوم – يعني معناه – والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه – يعني عن الكيفية – بدعة).
لذا فهذه اللوازم تلزم نزول المخلوقين ولا تلزم نزول الخالق فهو تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ولهذه المسألة نظائر كثيرة، وقد سأل رجل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كيف يحاسب الله العباد في ساعة واحدة؟ قال: كما يرزقهم في ساعة واحدة.
ومنها ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عما يقوله الله تعالى لكل مصلٍّ يقرأ الفاتحة (فإذا قال العبد: الحمد لله، قال الله: حمدني عبدي... إلخ الحديث) وفي تلك اللحظة من يقرأ الفاتحة من خلقه ما لا يحصى.
والخلاصة فإن الله تعالى لا يقاس بأحد من خلقه في شيء من صفاته من النزول والاستواء وغيره ولا ترد عليه اللوازم اللازمة للصفة بإضافتها للمخلوقين لأنه تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ولذا لا يجوز لنا أن نتأول ما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم من غير دليل شرعي ولو كان في ذلك محذور لأخبرنا ونبهنا عليه نبينا صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.