السؤال
يردُ في كلام العلماء أنَّ الإيمانَ قولُ القلب وعملُ القلب، أما عملُه فمعروفٌ مِن الحبّ والتوكُّل واليقين وغيرها مِن أعمال القلوب، لكن ما مقصودهم مِن قول القلب؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب
الحمدُ لله والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أمَّا بعد:
فقولُ أهل السُّنَّة في تعريف الإيمان (قول القلب) أي: اعتقاده، وهو ما يقوم بالقلب مِن العلم والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، إلخ، فكلّ ما يقوم بالقلب مِن المعاني العلميَّة فهو مندرج في قول القلب، ومِن معاني القول في اللغة: الاعتقاد [1].
ومسائلُ الدّين نوعان: مسائل علميَّة، ومسائل عمليَّة، فما كان الواجب فيه العلم والإيمان فهو علميٌّ اعتقاديٌّ وإن اقتضى عملًا، وما كان الواجب فيه العمل فهو عمليٌّ وإن استلزم وجوب الإيمان، فالدّين دائر على العلم والعمل ؛ فمِن مسائل الدّين: ما لا يجب فيه إلا العلم والإيمان ولا يقتضي عملا ؛ كالعلم بالعرش والكرسي واللوح والقلم، ومنها: ما يجب فيه العلم والإيمان ويقتضي عملًا ؛ كالعلم والإيمان بالله، فإنّه يقتضي عبادته وحده لا شريك له بفعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا شامل لأعمال القلوب والجوارح، ولهذا يُقال: العبادةُ اسمٌ جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه مِن الأقوال والأعمال الظَّاهرة والباطنة [2] ، واعتبر هذا في كلّ ما يجب الإيمان به مما أخبر الله به ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم، كما أن مسائل الدّين العمليَّة، وهي كلّ ما أمر الله به ورسوله تقتضي العلم والإيمان بها ؛ كالصَّلوات الخمس وصيام رمضان، وغير ذلك مِن فرائض الإسلام، فالعمل بها ثمرة العلم والإيمان بها.
فتبيَّن مما تقدَّم أنَّ مِن مسائل الدّين مسائل علميَّة محضة ؛ كالعلم بالعرش والكرسي ونحوهما، ومسائل علميَّة عمليَّة ظاهرة كأركان الإسلام الخمسة، وباطنة كالتوكل على الله والحب في الله والخوف من الله، وغيرها من أعمال القلوب، وليس في الدّين مسائل عملية محضة، فجميع شرائع الإسلام العملية يتعلَّق بها أمران: العلم والعمل.
لكن من الشَّرائع ما يكون الأصل فيه العلم والإيمان، والعملُ تابع له ؛ كالعلم والإيمان بالله واليوم الآخر، ومنها ما الأصل فيه العمل، والعلمُ والإيمان تابع له ؛ كشرائع الإسلام العمليَّة مِن الصَّلاة والزكاة ونحوها.
وبهذا تكون جميع الشَّرائع إما علميَّة محضة أو علميَّة عمليَّة، وهو الغالب، وليس في الإسلام ما هو عمليّ محض، ولهذا قال العلماء: التَّوحيد نوعان ؛ توحيد علميّ اعتقاديّ، وتوحيد عملي ؛ فالتَّوحيد العلمي الاعتقادي: هو توحيد الرّبوبيَّة وتوحيد الأسماء والصّفات، وقد يعبِّرون عنه بتوحيد المعرفة والإثبات، أو التوحيد العلمي الخبري، والتوحيد العملي: هو توحيد العبادة، وقد يعبِّرون عنه بتوحيد الإرادة والقصد والعمل[3].
هذا، وقد درج المتكلمون في تقسيم مسائل الدّين على أنها قسمان: علميَّة وهي ما الأصل فيه العلم والإيمان كالإيمان بالله واليوم الآخر، وعمليَّة وهي ما الأصل فيه العمل، كإقام الصَّلاة وإيتاء الزكاة. واعتبر هذا في نظائره، ولا مشاحة في التقسيم، والله أعلم.
أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في ضحى الجمعة 22 شوال 1439هـ
[1]- ينظر: الإيمان الكبير والأوسط ضمن مجموع الفتاوى (7/170، 186، 395، 505، 638، 672).
[2]- ينظر: رسالة العبودية ضمن مجموع الفتاوى (10/149) والإيمان الأوسط ضمنه (7/642)، ومدارج السالكين (1/120)، وشرح التدمرية لشيخنا (481).
[3]- ينظر بيان مسالك العلماء في تقسيم التوحيد: مجموع الفتاوى (1/91)، (10/54، 331) (17-107)، وبيان تلبيس الجهمية (1/134، 479)، ومنهاج السنة النبوية (2/62)، وشرح الأصبهانية (ص107)، ومدارج السالكين (1/48-51) (3/417-418)، واجتماع الجيوش الإسلامية (2/93-95)، والكافية الشافية - النونية "فصل في بيان توحيد الأنبياء والمرسلين" (3/698) "الأبيات رقم/3197" وما بعدها، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (1/24) (1/42)، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/128)، والدرر السنية (2/125)، وتيسير العزيز الحميد (120/124)، وفتح المجيد (1/79-80).